قلنا: بل إنما يقف الوجوب على العلم بوجه الوجوب لا على العلم بوجه حسن ألا يجاب حتى لو لم يضمن القديم تعالى ثوابا على الواجب لما خرج عن كونه واجبا.
فإن قال: لو وجب لعرف وجوبه كل مكلف، وإلا كان معذورا في تركه، ومعلوم أن كل المكلفين لا يعلمون وجوب النظر.
قلنا: التمكن من معرفة الوجوب كمعرفة الوجوب، فلا يكون معذورا في الترك، والعقلاء يعلمون وجوب كل نظر يندفع به الضرر عن النفس وإنما تختلف أحوالهم في الأنظار المعضلة لاحتياجها إلى أن ترد إلى الجملة المقررة عند أبي هاشم، وإلى مضار الدنيا عند أبي علي، وحينئذ يعلم وجوبه عند الخوف وسلامة الحال، وإن لم يعلم فلعارض يصرف عن العلم من شبهة أو تجويز التقليد ونحو ذلك.
فصل
والنظر أول الواجبات من الأفعال التي لا يعرى عنها مكلف من غير شرط، واحترزنا بالأفعال من التروك، فإنه كما يجب النظر أول أحوال التكليف فكذلك يجب ترك المقبحات والوجوب وإن كان من صفات الأفعال، فهو يطلق على التروك مجازا.
وقلنا: التي لا يعرى عنها مكلف احترازا من نحو قضاء الدين ورد الوديعة وشكر النعمة فإنه قد يقارن وجوبه وجوب النظر، بأن يطالب حال وجوب النظر بل قد يتقدمه بأن يطالب حال كمال العقل، وهي أول أحوال التكليف التي يحصل فيها أحد أسباب الخوف، لكنها قد تعرى عنها مكلف بأن لا يكون عنده وديعة ولا عليه دين ولا نعمة، والذي يشتبه /31/ نعمة الوالدين وهو قد يعرى عنها بأن يكون عرضهما بالملامسة مجرد قضاء الوطر، ولا يصل إليه منهما نفع من حال الولادة.
Shafi 49