وقلنا: من غير شرط، احترازا من نعمة الله تعالى، فإنه لا يعرى عنها مكلف، لكنه لا يجب إلا بشرط أن يعلم أنه قصد وجه الإحسان، وذلك يترتب على معرفته هذا ما ذكره أصحابنا، وذكر فيه صاحب تعليق شرح الأصول أشكالا، وهو أن الشكر إذا كان لا يجب إلا بعد معرفة الله تعالى ، فقد خرج بقولنا أول الواجبات؛ لأنه حينئذ ليس بواجب، وهذا لازم، لكن الأقرب أن شكر نعمة الله واجب على كل حال؛ لأن وجوب شكر النعمة مقرر في العقول سواء كان لها وجود في الخارج أم لا، فإذا كان علينا نعمة وجب علينا شكرها بحكم العقل، لكن لهذا الشكر حالات.
أحدها: أن نعلم فاعلها وأنه قصد وجه الإحسان، فهاهنا يجب فعل الشكر مطلقا، فنقول: شكرا لله على هذه النعمة ولا شك في أن هذا لا يجب إلا بعد معرفة الله تعالى.
الثانية: أن نعلم فاعلها، ولا نعلم أنه قصد وجه الإحسان، فيجب علينا تأدية الشكر مشروطا بشرط واحد، فنقول: شكرا لفاعل هذه المنفعة إن كان قصد بها وجه الإحسان فيكون الشرط قد دخل في تأدية الشكر لا في وجوبه.
الثالثة: أن لا يعلم فاعلها مفصلا ولا أنه قصد وجه الإحسان، فيجب تأدية الشكر مشوطا بشرطين، فنقول: شكرا لفاعل هذه المنفعة إن كان لها فاعل قصد بها وجه الإحسان فيكون الشرط في التأدية لا في الوجوب، وجائز تعلق الشيء بشرطين كما تعلق بشرط واحد، وليس الجهل بالفاعل ولا بكونه قاصدا وجه الإحسان يقدح في العلم بوجوب شكر النعمة كما لا يقدح الجهل بالمودع في وجوب رد الوديعة فيبقى الاحتراز عن شكر النعمة بالقيد، سلما عن الاعتراض الذي ذكره.
فإن قيل: هلا كان الخوف أول الواجبات؟
قيل له: هو شرط في حسن التكليف، والتكليف ليس من فعلنا، فلا يجب علينا تحصيل شرطه، على أن العاقل ملجأ إلى فعل عند حصول أحد الأسباب، ولا وجوب مع الإلجاء.
فإن قال: هلا كان النظر في وجوب النظر أول الواجبات؟
Shafi 50