ومنها أن يرى افتراق الناس في الأديان وتضليل بعضهم بعضا، فيجوز أن يكون من الصالحين فيخاف. ومنها: أن يسمع الوعظ والأخبار والقصص والكتب المنزلة وما فيها من ذكرا لصانع والثواب والعقاب فيجوز أن يكون ذلك حقا فيخاف، فإن لم يحصل أحد هذه الأسباب وجب على الله تعالى أن ينبهه بالخاطئ والأقبح التكليف لصيرورته حينئذ في حكم الساهي، وهو كلام خفي يلقيه الله تعالى في باطن سمعه أو على لسان بعض ملائكته، ويفارق الوسوسة بكونه من جهة الله وداعيا إلى الخير، وهي من جهة الشيطان وداعيه إلى الشر، وليس من قبيل الاعتقاد، وكما يقوله أبو علي لأنه كان لا يخلو إما أن يطابق فيكون علما ضروريا أو لا يطابق فيكون جهلا، وكلاهما باطل، وليس أيضا من قبيل الظن ولا من قبيل الفكر؛ لأنا نفرق بين كوننا ظانين ومتفكرين وبين الخاطر؛ ولأن الله تعالى لا يفعل الظن.
وكيفية وروده أن يقول قد نرى عظيم هذه النعم وقد يقرر في عقلك حسن /30/ استحقاق الذم على القبيح أن يكون لك صانع أنعم عليك بها إن عرفته وأطعته أثابك، وإن عصيته وجهلته عاقبك، فيخاف حينئذ عند حصول أحد هذه الأسباب لا محالة لأن من حق العاقل أن يخاف إذا خوف بإمارة صحيحة وإلا خرج عن كونه عاقلا.
وأما الأصل الثاني فالذي يدل عليه أنه لا يأمن ويزول خوفه إلا أن يكون على يقين من أمره وعارف بالصانع وثوابه وعقابه، فيفعل بطاعته ويتحرز عن معصيته، ولن يتم ذلك إلا بالنظر.
وأما الأصل الثالث، فيدل عليه أن النظر يجري مجرى دفع الضرر عن النفس؛ لأن معه يتمكن من دفع ضرر العقال بفعل الطاعة وترك المعصية المتوقفين(1) على معرفة المطاع والمقضي، وقد تقرر في العقول وجوب دفع الضرر عن النفس مظنونا كان أو معلوما، وإن اختلف وجه الوجوب كما سلف.
فإن قال: لو وجب النظر لعلمنا استحقاق الثواب عليه ؛ لأنه إنما يحسن الإيجاب لذلك، وفيه العلم بالمبيت، وهو دور.
Shafi 48