أما الأول: فاعلم أولا أن الخوف هو الظن لحصول ضرر او فوت يقع في المستقبل واعتبرنا الظن اتباعا لأهل اللغة ولا يرد خوفنا للموت؛ لأنا إنما نخاف وقته ولا خوف الملائكة عليهم السلام في قوله تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} لأنه خوف توق أي يخافون مرافقة ما يفضي إلى الضرر، وقيل: معناه يفعلون أفعال الخائفين هذا ما ذكره أصحابنا، والأقرب أنهم يخافون خوفا حقيقيا؛ لأنهم مكلفون بمعرفة الله تعالى، وهي إنما يحصل عن النظر في حق كل مكلف، ووجه وجوب النظر هو الخوف من تركه في حق كل مكلف، فلا بد أن يخافوا من ترك النظر ضررا ليكون ذلك وجها في وجوبه عليهم، وقول أصحابنا أنهم يقطعون على أنهم لا يعذبون، وهو صحيح، لكن إنما يقطعون على ذلك بعد معرفة الله والخوف من ترك النظر متقدم عليها، واعتبرنا تعلق الظن يفوت النفع، وحصول الضرر؛ لأن تعلقه بعكس ذلك رجاء، واعتبرنا الاستقبال لأن ما قد وقع لا يخاف ولا يجوز أن يكون الخوف من فعل الله تعالى؛ لأنه ظن والظن لا يحسن فعله ولا الفعل لأجله والترك إلا إذا حصل عند إمارة صحيحة ينظر فيها فاعل الظن، وبهذا يفارق ظن السوداوي والنظر في الأمارة مستحيل على الله تعالى؛ لأنه عالم لذاته.
واعلم أن للخوف أسبابا منها أن يتنبه من ذي قبل نفسه بأن يرى بدائع الحكمة وعجائب الصنعة في نفسه وفي غيره، فيجوز أن يكون لها صانع يثيب على الحسن ويعاقب على القبيح فيخاف.
Shafi 47