بين الكسائي والأصمعي:
حدث أحمد بن يحيى ثعلب أحد أئمة الكوفيين قال:
كان الكسائي والأصمعي بحضرة الرشيد، وكانا ملازمين له يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي:
أنَّى جزوا عامرا سوءى بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطي العلوقُ به ... رئمان أنف إذا ما ضن باللبن
فقال الأصمعي: "إنما هو رئمان أنف، بالنصب" فقال له الكسائي: "اسكت ما أنت وذاك؟ يجوز بالرفع والنصب والخفض: أما الرفع فعلى الرد على "ما" لأنها في موضع رفع بـ "ينفع" فيصير التقدير: "أم كيف ينفع رئمان أنف"، والنصب بـ "تعطي"، والخفص على الرد على الهاء التي في "به"". فسكت الأصمعي ولم يكن له علم بالعربية، وكان صاحب لغة، لم يكن صاحب إعراب١.
_________
١ إرشاد الأريب ١٣/ ١٨٣، وأمالي الزجاجي ص٣٤ "المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر بمصر". والبيتان لأفنون التغلبي "انظر المفضليات للضبي ٢/ ٦٣ طبعة دار المعارف بالقاهرة".
العلوق: الناقة تفقد ولدها بنحر أو موت، فيسلخ جلده ويحشى تبنا ويقدم إليها لترأمه "أي: تعطف عليه" ويدر لبنها فينتفعوا به، فهي تشمه وينكره قلبها فتعطف عليه ولا ترسل اللبن، فشبه ذلك بهذا.
والبيت مثل يضرب لمن يعدك بلسانه كل جميل ولم يفعل منه شيئا؛ لأن قلبه منطو على ضده، كأنه قيل له: كيف ينفعني قولك الجميل إذا كنت لا تفي به. ا. هـ عن المصدر الأول بتصرف يسير.
هذا وقد علق ابن الشجري حين عرض هذه القضية بقوله:
"ولنحاة الكوفيين في أكثر كلامهم تهاويل فارغة من حقيقة" ١/ ٣٢.
1 / 47