Daga Aqida Zuwa Juyin Juya Hali
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Nau'ikan
وتدخل نظرية أحكام العقل الثلاثة ضمن نظرية أعم وهي أقسام الحكم؛ فالحكم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شرعي وعادي وعقلي. الشرعي موضوع علم أصول الفقه، والعادي يعرف بالتجربة وتكرارها، والعقلي يفهم بالعقل المجرد من غير تجربة ولا وضع. ويسارع الشارح المتأخر في الحكم العادي بإعلان الإيمان الأشعري وجعل الحكم العادي من فعل إرادة خارجية مباشرة بأن يخلق «الله» الاحتراق في النار دون أن يكون هناك تأثير للنار كعلة مباشرة. والحكم العقلي نابع من العقل، وهو العقل الصوفي وليس العقل الفلسفي، نور يقذفه «الله» تعالى في القلب، تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية، محله القلب. وبالتالي ينكر الشراح المتأخرون عمل العقل التحليلي الاستدلالي نظرا لازدواج الأشعرية مع التصوف. أما الحكم الشرعي فخطاب «الله» تعالى المكلف بأفعال المكلفين بالطلب أو الإباحة أو الوضع؛ ف «الله» أيضا واضع الحكم الشرعي. وتعود نظرية الحكم إلى نظرية العلم عند الشرح، فيسقط الوجود من الحساب. وتعود بعض أقسام العلم مثل الضروري والنظري. فينقسم كل من الواجب والممكن والمستحيل إلى ضروري ونظري، وبالتالي تكون الأقسام ستة وتتفاوت الأمثلة بين الأجرام السماوية والمفاهيم الرياضية.
63
كما ينقسم كل حكم إلى لذاته ولغيره. هناك واجب لذاته وواجب لغيره. والواجب لذاته ينقسم إلى مطلق ومقيد؛ فالواجب الذاتي المطلق مثل ذات «الله» وصفاته، والمقيد، مثل التحيز للجرم. والواجب لغيره كوجود شيء من الممكنات في زمن علم «الله» ووقوعه فيه. كما ينقسم المستحيل إلى لذاته ولغيره. والمستحيل لذاته إلى مطلق ومقيد. فالمستحيل لذاته المطلق كالشريك «لله» تعالى، والمقيد كعدم تحيز الجرم. والمستحيل لغيره كوجود شيء من الممكنات في زمن علم «الله» وعدم وقوعه. وظيفة هاتين القسمتين لذاته ولغيره، والمطلق والمقيد، لإفساح المجال لذات «الله » وصفاته، وهو الموضوع الأول بعد نظرية الوجود. وواضح فيها دخول تحيز الجرم مع «الله» على نفس مستوى التحليل والتماثل مشابهة واختلافا، وإن كان الله في المطلق وتحيز الجرم في المقيد وكأن الطبيعيات تأبى إلا أن تفرض نفسها على الإلهيات، وكأن الإلهيات تظل خاوية أو معلقة في الهواء دون ارتكازها على الطبيعيات.
64
والأحكام الثلاثة أمور اعتبارية صرفة لا وجود لها إلا في الذهن، مقولات للشعور، ومفاهيم للعقل، وعلى أقصى تقدير مناطق صورية يضعها الشعور لتحليل الوجود. وقد حاول البعض جعلها أمورا وجودية والقفز من فوق العقل إلى الطبيعة، ومن داخل الشعور إلى العالم الخارجي؛ لأن الوجوب واجب بنفسه وليس باعتبار العقل؛ ولأن نقيضه اللاوجوب وهو عدمي، وبالتالي فهو وجودي وأنه لو كان إمكانه عدميا لم يكن الممكن ممكنا. والحقيقة أنها أمور اعتبارية صرفة لا وجود لها في الخارج إلا من حيث افتراض الدليل الأنطولوجي وهو افتراض إيماني صرف، وانتقال من الفكر إلى الوجود قفزا وافتراضا بناء على معطيات الإيمان ومطلب النفس وحديث الروح ومناجاة «الله».
65
وبالتالي فهي لا تثبت شيئا بالفعل، ومحاولة استعمالها بعد ذلك لإثبات وجود «الله» لا تثبت شيئا بالفعل، ولا تثبت إلا موجودات ذهنية خالصة. ولا سبيل إلى تحققها في الخارج إلا كمشروع يتحقق بالفعل من خلال الجهد. والخارج قابل للتشكل طبقا لهذه المقولات الذهنية الأربع حتى يتحد معها تماما عندما تتحقق هي بالفعل، وبالتالي يتم التوحيد بين العقل والوجود. هي أقرب إلى المطلب النفسي أو الأخلاقي أو النزوع النفسي منها إلى التصور البديهي أو المقولة المنطقية. وبهذا المعنى تكون أقرب إلى الوجود كقصد أو اتجاه أو حالة دون أن تكون وجودا بالفعل إلا بعد التحقق. كما أنها تدل على أحكام قيمة؛ فالواجب أشرف من الممكن، والمستحيل مجرد سلب للواجب عن طريق القلب وليس له وجود أصلي. ويظهر ذلك بوضوح في الشروح المتأخرة عندما يخف تحليل العقل وتظهر شدة الانفعال، وكذلك في الحواشي عندما تخف حدة العقل وتظهر وطأة الانفعال.
66
وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه كأساس ميتافيزيقي لدليل الحدوث. وليبق دليل الحدوث دليلا بعديا خالصا يعتمد على مقدمات حسية صرفة. وفي نهاية الأمر تكشف هذه الأحكام الثلاثة إلى علاقة الاستقلال بالتبعية، وهي علاقة الوجوب بالإمكان؛ فالوجوب استقلال والإمكان تبعية، وهي بنية العلاقة الاجتماعية على مستوى التجريد والتبرير العقلي الذي يأخذ صيغة الإيمان.
67 (3-2) أحكام الوجوب
Shafi da ba'a sani ba