183

Daga Aqida Zuwa Juyin Juya Hali

من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية

Nau'ikan

58

أما السؤال الثاني عن حاجة الماهيات أو أجزائها بعضها البعض الآخر، فإنما هو ناتج عن المجعولية وكأنها المذهب السائد بين نفي الحكماء والمعتزلة وإثبات الأشعرية. ولكن دوافع المجعولية والاحتياج في علم الأشعرية تقوم على استبعاد الدور وعلى ضرورة الانتهاء إلى حاجة من غير محتاج، فتكون العلاقة بين الماهيات علاقة علة بمعلول، وكامل بناقص، واستقلال وتبعية، مما يخفي في ثناياه علاقة الفكر الديني بين الأعلى والأدنى أو بين «الله» والعالم، حتى ولو تمت صياغتها على نحو منطقي بالكليات الخمس، حاجة الفصل إلى الجنس، وعدم حاجة الجنس إلى الفصل، واستحالة أن يكون الجنس جنسا للفصل، واستحالة تعدد الفصل القريب، واستحالة أن يقوم فصل إلا بنوع واحد أو جنس واحد. وفي حقيقة الأمر تنشأ هذه العلاقة من الموقف الإنساني ومن طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة التي يسودها الأعلى والأدنى، الرئيس والمرءوس، الحاكم والمحكوم.

59 (3) الوجوب والإمكان والاستحالة

والقسمة هنا ثلاثية صريحة: الوجوب، والإمكان، والاستحالة؛ فقد كان الوجود والعدم قسمة ثنائية صريحة وثلاثية مقنعة نظرا لتوسط الحال. وكانت الماهية مفهوما واحدا صريحا وقسمة ثنائية مقنعة؛ فقد كانت طرفا في ثنائية الوجود والماهية. والبنية الثلاثية واحدة. فإذا كان الحال هو الانتقال من الوجود إلى العدم أو من العدم إلى الوجود، فإن الإمكان هو الانتقال من الوجوب إلى الاستحالة أو من الاستحالة إلى الوجوب؛ فالوجوب في مقابل الاستحالة والإمكان وسط. وكثيرا ما توصف باسم الفعل: الوجوب والإمكان والاستحالة أو اسم الفاعل : الواجب والممكن والمستحيل. والاختيار الأول أكثر تجريدا وصورية من الثاني؛ لأنه يضم مناطق عامة ولا يشير إلى موجودات بعينها. كما تختلف الألفاظ وتترادف؛ فالواجب هو الضروري، والممكن هو الجائز، والمستحيل هو الممتنع، ولكن الثلاثي الأول أكثر تجريدا، ومن ثم فهو عند الحكماء أظهر. أما الثلاثي الثاني: الضروري والجائز والممتنع، فهو أكثر حسية، ومن ثم فهو عند المتكلمين أظهر باستثناء علم الكلام المتأخر الذي تبنى مفاهيم الحكماء. أما من حيث ترتيب المفاهيم الثلاثة، فعادة ما يأتي الطرف المثبت أولا، ثم الوسط ثانيا، ثم الطرف المنفي ثالثا. الطرفان في الطرفين، والوسط في الوسط، مما يدل على هذا الانتقال من الوسط إلى الطرفين انتقالا تدريجيا طبيعيا. وبقدر ما أفاض القدماء في الوجوب والإمكان، فإنهم لم يتكلموا في الاستحالة إلا قياسا على المفهومين الآخرين الوجوب والإمكان على عكس إفاضتهم في العدم وهو على نفس المستوى مع الاستحالة. مع أن الاستحالة يمكن أن تكون مناسبة لتحدي القدرة الإنسانية على الفعل وتجاوز العقبات وإعطاء الثقة بالنفس على أنه لا مستحيل أمام العزم والإرادة والدوافع والبواعث وعلى قدرة الإنسان على الإيجاب؛ أي تحويل الإمكان إلى وجوب، وتحويل الاستحالة إلى إمكان. (3-1) أحكام العقل الثلاثة

وقد بدأت أحكام العقل الثلاثة في نظرية العلم كأحكام للعقل الخالص.

60

ثم انتقلت من العقل إلى الوجود مع التوحيد بينهما، حتى إنه ليصعب معرفة هل هي أحكام عقلية كما كانت في البداية أم مناطق وجود. ثم رقيت ثالثا في علم الكلام المتأخر في مرحلة العقائد الإيمانية إلى أحكام عقلية كما بدأت، وهو السائد حتى الآن؛ أي نظرية في الحكم العقلي على الوجود. وتدخل مادة التوحيد كلها في هذه النظرية، ما يجب وما يمكن وما يستحيل في حق «مولانا»، وما يجب وما يستحيل وما يجوز في حق الرسل، وأصبحت تستعمل من أجل عد الصفات وسهولة إحصائها. واستمر الأمر كذلك في الحركات الإصلاحية مع التركيز على القطب الأول «الله» دون القطب الثاني «الرسول» الذي تحول إلى نظرية عامة في النبوة.

61

ثم تضاءلت أحكام العقل الثلاثة أكثر فأكثر، وتحولت إلى مجرد دليل عقلي ضمن مجموعة أخرى من الأدلة الشرعية والعادية. يظهر الدليل السمعي من جديد كأحد مصادر المعرفة في مواجهة الدليل العقلي، ويتحول التقابل بين الوجوب والاستحالة إلى التقابل التقليدي القديم بين العقل والسمع كما يتحول الإمكان أو الجواز العقلي إلى تردد بين الدليل العقلي والدليل السمعي.

62

Shafi da ba'a sani ba