فسجل حسنة جديدة من حسنات العقلية المصرية القديمة على الكتاب المقدس، وعند الدكتور فؤاد حسنين: أن أحدث وأنضج كتاب ظهر في هذا الموضوع هو كتاب تلميذ «أرمان» أعني «جيمس هنري بريستد» فجر الضمير:
2
أما بحث «أرمان» فهو يدور حول كتاب «تعاليم أمين-أم-أوبه» الذي يرجح أنه عاش حوالي أوائل الألف الأولى ق.م. وقد اكتشف هذه التعاليم المحفوظة في بعض أوراق البردي الهيراطيقي بالمتحف البريطاني السير «وليزبدج»، ونشرها عام 1923م،
3
ومن الغريب أن هذا الحكيم المصري سلك في وضع نصائحه التي ضمنها ثلاثين بابا الطريق الذي سلكه حكماء الشرق منذ القدم، فساقها على صورة نصائح والد لولده، كما هو الحال في هذه الحكم التي ينصح بها لقمان ابنه حسبما ورد في القرآن الكريم، وليس المصدر المصري هو الوحيد الذي عده في سفر الأمثال، بل هناك مصادر أخرى أظهرها البابلي الآشوري. والآن وقد اتفق رجال المصريات مع نقاد الكتاب المقدس على أن هذا السفر ليس كله تراثا عبريا، سقطت الحجة القائلة: إن سليمان هو مؤلفه، وإن كنا لسنا في حاجة إلى عناء كبير لسرد كثير من الأدلة المقتبسة من السفر نفسه، والتي تنفي نسبته إلى ابن داود، فكتاب الأمثال عبارة عن مجموعة متفرقة من الحكم والأمثال التي لا تربط بينها رابطة، ولا تلمس في أسلوبها وحدة أو تناسقا في الأفكار، فهو لن يمكن أن يكون من وضع فرد بعينه، أو نتاج قريحة عصر بمفرده، ومتى كانت أمثال أمة من الأمم من وضع فرد أو عصارة عصر من عصور تاريخها المختلفة؟ أليست الأمثال أدبا شعبيا تتناقله الألسنة، وتتوارثه الأجيال، فتغيره العصور، وتبدله الأذواق، حتى يأتي عصر التدوين فيقدر لها من يثبتها؟ وهذا وهذا ما حدث فعلا لسفر الأمثال، فهو مجموعة من المجاميع التي لكل واحدة منها لونها الخاص، ومذهبها الخاص، فهي إما دينية، وإما دنيوية، ومنها الخاص بالنصح، والخاص بالتحذير والإنذار، ومنها الألغاز، ومنها الهجاء، ومنها ما سيق في أسلوب قصصي لطيف، ومنها ما عبر عنه باللفظ الوجيز. ومن حسن الحظ أن هذه المجموعات وردت مسندة إلى شخص بعينه أو هيئة بعينها، كما أننا إذا قارناها بالترجمة اليونانية لوجدنا فرقا كبيرا ، ومرجع هذا أن الترجمة اليونانية اعتمدت على نسخة تغاير هذه التي بأيدينا، وهذا ما ذهبنا إليه من قبل.
وينقسم سفر الأمثال الأقسام الآتية:
أولا:
أمثال سليمان، وهي تقع في الإصحاحات 1-9: عبارة عن نصائح والد لولده لا تلبث أن تعرض لله فتلخص رأيها فيه في الحكمة المأثورة «رأس الحكمة مخافة الله»، ونجد فيها علاوة على ذلك الشيء الكثير من النصح، والتحذير، وفي الإصحاحين الثامن والتاسع نقرأ شيئا من الحكم القصصية كالوليمة التي أعدتها الحكمة بعد أن بنت بيتها، ونحتت أعمدتها السبعة، وذبحت ذبحها، ومزجت خمرها، وأعدت مائدتها، وأرسلت جواريها إلى ساحات المدينة العالية ينادين الجاهل والغبي ليأكل ويشرب؛ فتنصرف عنه الجهالة وتدبر الغباوة.
ثانيا:
أمثال أخرى لسليمان من إصحاح 10 إلى إصحاح 22 آية 16، وهي تبلغ نحو 385 مثلا من الأمثال البسيطة التي تناولت شتى المواضيع، مثل: «فم الصديق ينبوع حياة، وفم الأشرار يغشاه ظلم.» و«القليل مع العدل خير من الجزيل مع الظلم.» و«محتكر الحنطة يلعنه الشعب والبركة على رأس البائع.» و«لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام.»
Shafi da ba'a sani ba