مقدمة
1 - كلمة عامة عن نشأة اليهود
2 - الأمم السامية واليهود
3 - الأسماء التي أطلقت على اليهود
4 - بداية الدولة اليهودية
5 - أصل الديانة اليهودية
6 - اللغات السامية واللغة العبرية
7 - حياة اليهود السياسية والأدبية والاجتماعية
8 - الأراضي والأماكن المقدسة
9 - اليهود في مصر السابقة وإيران
Shafi da ba'a sani ba
10 - الإسرائيليون والعرب قبل الإسلام وبعده
11 - تفوق اليهود في التجارة والمال واضطهادهم
12 - ميلاد الوطن القومي اليهودي
13 - أثر التصريح في اليهود والعرب
14 - الانتداب على فلسطين وفاتحة الوطن القومي
15 - كيف يستعمر اليهود فلسطين؟
16 - مؤتمر فلسطين في لندن
17 - جامعة الأمم العربية وميثاقها
18 - الصهيونية بين الحربين العالميتين وبعدهما
مراجع الكتاب
Shafi da ba'a sani ba
مقدمة
1 - كلمة عامة عن نشأة اليهود
2 - الأمم السامية واليهود
3 - الأسماء التي أطلقت على اليهود
4 - بداية الدولة اليهودية
5 - أصل الديانة اليهودية
6 - اللغات السامية واللغة العبرية
7 - حياة اليهود السياسية والأدبية والاجتماعية
8 - الأراضي والأماكن المقدسة
9 - اليهود في مصر السابقة وإيران
Shafi da ba'a sani ba
10 - الإسرائيليون والعرب قبل الإسلام وبعده
11 - تفوق اليهود في التجارة والمال واضطهادهم
12 - ميلاد الوطن القومي اليهودي
13 - أثر التصريح في اليهود والعرب
14 - الانتداب على فلسطين وفاتحة الوطن القومي
15 - كيف يستعمر اليهود فلسطين؟
16 - مؤتمر فلسطين في لندن
17 - جامعة الأمم العربية وميثاقها
18 - الصهيونية بين الحربين العالميتين وبعدهما
مراجع الكتاب
Shafi da ba'a sani ba
المسألة اليهودية
المسألة اليهودية
تأليف
عبد الله حسين
مقدمة
منذ عشرين عاما أصدرت كتاب «المرأة الحديثة وكيف نسوسها؟» تحدثت فيه عن نهضة المرأة وتطورها إلى القيام بالأعمال التي كانت قبل يومئذ وقفا على الرجل. وقد كنت معتزما أن أتابع إصدار كتب تتناول صورا من النهضة الحديثة متمثلة في القوميات التي بدت في الغرب والشرق. وقد لبثت منذ يومئذ أعد عدتي لهذه المؤلفات. وكان مما استرعى نظري، ما شغلته مسألة اليهود من الأهمية منذ طالبوا بالوطن القومي والدولة اليهودية المستقلة، وصدور تصريح بلفور في هذا الصدد، وما قامت عليه النازية الهتلرية في ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، من اضطهاد اليهود على صورة تقرب مما كان عليه حالهم قبل اعتراف الأوروبيين بمساواتهم بسائر السكان، وما بلغه اليهود من المكانة في الأحزاب السياسية، والمصارف المالية، والدوائر التجارية والعلمية والأدبية والصحفية والفنية في أوروبا وأمريكا وغيرها؛ وذلك لما لهم من صفات أعدتهم لهذه المرتبة.
ونحن، إذ نعرض لهذا الموضوع: نرمي إلى بسط مراحل اليهودية نشأة وهجرة ودولة وزوالا وانبعاثا وانتشارا، إلى أن نبلغ المرحلة الحاضرة لهذه القضية الخطيرة، وهي قضية مزدوجة؛ فهي قضية اليهود من ناحية ما يرددون وما يطلبون، وقضية الشعوب التي راعتها مكانتهم وأفزعتها مطالبهم أو أثر فيها نشاطهم ونهضتهم، ولئن كان بسطنا للموضوع على هذه الصورة لا يهدف إلا لإيضاح الوقائع التاريخية في عدل ونزاهة واستقلال وحسب؛ غير أننا نرجو أن يكون هذا معينا على علاج هذه القضية، خاصة مشكلة فلسطين وعلاقات اليهود بالبلاد التي اتخذوها مقاما أو ميدانا للعمل؛ لكي يكون السلام العالمي تاما.
عبد الله حسين
الفصل الأول
كلمة عامة عن نشأة اليهود
Shafi da ba'a sani ba
المعروف أن العبريين إحدى الأمم السامية، وكانوا في جودا قبل سنة 1000ق.م، وبعدئذ اتخذوا «بيت المقدس» عاصمة لهم. وقد أفضى موقع بلادهم بين الإمبراطوريات الشرقية إلى اتصالهم بمصر جنوبا وسوريا وآشور وبابل شمالا، وإلى أن أمسى الوطن العبري طريقا كبيرا متأثرا بما يقوم بين الممالك المتجاورة من الحروب والعلاقات.
وقد اكتسب العبريون مكانتهم التاريخية بما امتازوا به من الأدب المكتوب والقوانين والمدونات التاريخية والمزامير «الزبور»، وكتب الحكمة والشعر والخيال، والأقوال السياسية، مما انتهى إلى ما يعرفه المسيحيون باسم «العهد القديم» أو «التوراة العبرية»، ومن المرجح أن الأدب العبري ترجع موارده إلى بابل. فقد غزا الفرعون المصري نيخاو الثاني الإمبراطورية الآشورية، حين كانت تدفع عن حياتها غزوات الميديين والإيرانيين والكلدانيين، وكان الملك العبري في جودا قد هزم وذبح في 608ق.م، حين تصدى لنيخاو الثاني، وأصبحت «جودا» ولاية تابعة لمصر. ثم إنه بعد أن أتم نيبو كادانيزار العظيم - ملك بابل العظيم - إكراه نيخاو الثاني على الجلاء عن «جودا» والانسحاب إلى مصر، أمست «القدس» يحكمها ملوك عبرانيون كانوا لعبة في يد بابل؛ فثار العبرانيون على «نيبو كادانيزار» وذبحوا موظفيه البابليين، وعلى أثر هذا اعتزم أن يمحو هذه المملكة الصغيرة، فنهب «بيت المقدس» وأحرقها، وأخذ الباقين من سكانها أسرى في بابل، فلبثوا فيها إلى أن أخذ «سيراس» بابل في 538ق.م، فأعادهم إلى وطنهم «بيت المقدس» معيدا أسواره ومعبده.
ويبدو أن اليهود لم يكونوا قبل هذا شعبا موحدا متحضرا؛ ذلك أن الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة نفر قليل، ولم يعرف تاريخهم أن النسخ الأولى من التوراة كانت تقرأ، فقد ذكرت للمرة الأولى في عهد أشعيا، ومن أجل هذا كانت ثقافتهم وليدة أسرهم في بابل. فقد عادوا منه ملمين بأدبهم موحدي الكلمة والسياسة، ويبدو أن التوراة كانت يومئذ «البنتاتوخ»؛ أي الأسفار الخمس الأولى من العهد القديم، فقد وضعوا أسفارا أخرى مستقلة، أصبحت «البنتاتوخ» تتضمنها: كالمدونات التاريخية، والزبور، والأمثال.
وإن ما أوردته «التوراة» عن قصة آدم وحواء وقصة الطوفان جاء مطابقا لما ورد في الأساطير البابلية؛ إذ إنه يبدو أن هاتين القصتين من جملة القصص التي تشترك الأمم السامية في الإيمان بها. فقد وردت قصص موسى وشمشون في القصص السومرية والبابلية. أما ما يتصل بقصة إبراهيم وما بعدها، فإنها مستقلة عن القصص المشار إليها.
هذا؛ ويبدو أن إبراهيم كان معاصرا لحامورابي في بابل، وأنه كان من الجنس السامي، وكان رحالة وقورا، وقد أورد سفر التكوين قصة أسفاره، وقصة أبنائه وأحفاده، فقد جاز كنعان، وقد تلقى إبراهيم من ربه وعدا بأن تكون تلك الأرض المبهجة الشاملة المدن الرخية له ولأولاده. وبعد أن أقاموا طويلا في مصر، وبعد أن أمضوا أربعين سنة ضاربين في الفلاة الموحشة، تحت زعامة موسى، أصبحوا 12 قبيلة وسعها أن تغزو أرض كنعان من صحراء العرب إلى الشرق بين 1600ق.م و1300ق.م. غير أنهم لم يستولوا على أكثر من الأراضي التلية خلف «أرض الموعد»، فقد كان يسيطر على ساحلها الفلسطينيون الذين ينتمون إلى عنصر بحر إيجه بعد إجلاء الاحتلال الكنعاني، وقد صدت مدنهم - مدن غزة وجاث وأشدود وإسكالون وجوبا - غارات العبريين.
وقد نشبت بين أبناء إبراهيم والفلسطينيين الإيجيين والأقوام المرتبطة بقرابتهم، كالمؤابيين والميدبانيين، من المناوشات والمعارك والكوارث ما سجل سفر القضاة أنباءه، وقد لبث يحكم العبرانيين في أكثر هذه الحقبة، قضاة من الكهنة يتولى انتخابهم كبار السن في الأمة اليهودية، إلى أن اختاروا شاءول ملكا عليهم وقائدا حربيا سنة 1000ق.م، غير أن حكمه لم يكن أكثر توفيقا من حكم القضاة، فقد أبادته سهام الفلسطينيين في موقعة مونت جيلبوا، وقد ذهب درعه في معبد فلسطين فينوس، وسمرت جثته في جدران بيت شان.
ثم إن «داود» قد خلفه، وكان أكثر توفيقا وأبعد سياسة، فلم يتح للعبرانيين لا قبله ولا بعده أن يستمتعوا بعصر سعيد مثله، فقد كان داود حليفا لصور الفينيقية؛ إذ كان يحكمها الملك هايرام، وكان موهوبا ألمعيا، يعنيه أن يتخذ من أرض المملكة العبرانية، طريقا مأمونا إلى البحر الأحمر؛ إذ إن الحالة في مصر ما كانت مرضية يومئذ للحركة التجارية الدولية. وقد لبث هايرام أو «حيرام» على أوثق الصلات بسليمان كما كان شأنه مع أبيه داود، هذا ويرجع إلى رعاية هايرام هذا، إقامة معبد بيت المقدس مقابل الترخيص لهايرام ببناء السفن وتسييرها في البحر الأحمر، وكان من أثر هذا ازدهار التجارة شمالا وجنوبا مجتازة بيت المقدس، واستمتاع سليمان بنعيم وثروة لا مثيل لهما في تاريخ قومه، وقد زوجه فرعون مصر بابنته.
غير أنه ينبغي أن نذكر هنا أن الملك سليمان كان ملكا ثانويا في مملكة مقصورة على أورشليم «بيت المقدس» التي كانت مدينة صغيرة، وكانت سلطته وقتية؛ إذ إنه بعد وفاته ببضع سنوات استطاع شيشاق - أول فراعنة الأسرة الثانية عشرة المصرية - أن يغزو بيت المقدس وأن ينهب أكثر نفائسها، وقد وردت قصة سليمان وكنوزه ومركباته البالغة الأربعمائة في سفر الملوك والتواريخ.
هذا؛ ويؤخذ من الآثار القديمة أن «أهاب» الذي خلف «سليمان» أرسل 2000 مركبة إلى الجيش الآشوري، ويؤخذ من التوراة أن سليمان كان معنى بالمظاهر مرهقا قومه بالعمل والضرائب. وبعد موته انفصل الجزء الشمالي من مملكته من بيت المقدس وصار يدعى مملكة إسرائيل. أما بيت المقدس فقد لبثت عاصمة جودا «أرض الموعد».
وبعد قليل انقضى عهد سعادة العبرانيين، فقد مات هايرام، وحبست دولة حور مساعدتها عن أورشليم «بيت المقدس»، واشتد ساعد مصر مرة أخرى، وأصبح تاريخ كل من المملكتين الصغيرتين جدا: إسرائيل وجودا، تابعا لسلطان سوريا، ثم آشور، ثم بابل شمالا ولمصر جنوبا، وهو تاريخ مليء بالمآسي والكوارث التي تتخللها فترات قصيرة من التحرير والسكينة، وبملوك همجيين يحكمون همجيين، وفي 721ق.م اكتسح الآشوريون مملكة إسرائيل، وانتهى تاريخ الأمة الإسرائيلية. أما جودا فقد لبثت تناضل حتى أصبحت أثرا بعد عين في 604ق.م.
Shafi da ba'a sani ba
هذا؛ وسنوضح ما قدمنا بعد ذاكرين هنا أن تعيين التواريخ أمر مختلف عليه بين المؤرخين والمستنتجين.
الفصل الثاني
الأمم السامية واليهود
كانت الأمم السامية هي الأمم المتحضرة المتغلبة في الشرق وشمال أفريقيا، فقد كانت مستأثرة بالتجارة، وكانت إمبراطورياتها تشمل سوريا وبابل، وأخضعت مصر طويلا. وكانت لغات بعض الساميين يفهمها البعض الآخر، واستطاعت صيدا وصور - وهما بمثابة الأم لمدن الساحل الفينيقي - أن تنشئا المستعمرات في أفريقيا وإسبانيا وصقلية، وفي قرطاجنة التي كان تأسيسها في 800ق.م، وكان سكانها منيفين على المليون، ووسعها أن تصبح أكبر مدن الدنيا بعض الوقت، وقد وصلت سفنها إلى السواحل البريطانية وإلى الماديرا، وإلى شواطئ البحر الأحمر ناقلة التجارة إلى بلاد العرب والهند، وطافت بعثة فينيقية في عهد الفرعون نيخو حول أفريقيا.
هذا ما كان من أمر الأمم السامية. أما الأمم الآرية، فقد لبثت على الحالة الهمجية إلا الأمة اليونانية؛ فإنها شرعت تستيقظ جاهدة في بناء حضارة جديدة على أطلال الحضارة التي أتت عليها يد العفاء، ثم إن الميديين أصبحوا ثابتين في وسط آسيا.
غير أن الآريين قد استطاعوا أن يقضوا على الإمبراطوريات والحضارات السامية كلها إلا في الصحارى الشمالية من البلاد العربية؛ وذلك لبقاء سكانها بدوا رحلا، وقبل بزوغ فجر القرن الثالث قبل الميلاد، صار الساميون إما في ضمن رعايا الدول الآرية وإما تابعين لها.
غير أنه مما ينبغي ذكره - إلى ما تقدم - أن الأمة اليهودية قد استطاعت أن تحتفظ بطابعها وتقاليدها وآدابها حيال الكوارث التي نزلت بها وبالأمم السامية عامة، وذلك منذ أن أعاد سيروس - ملك إيران - اليهود إلى أورشليم «بيت المقدس» أو القدس . أما مرجع استئثار اليهود بتقالديهم دون سائر الساميين، فهي التوراة التي سوتهم خلفا جديدا، وآثرتهم بالمبادئ القويمة التي اختلفت عما كان يجري عليه جيرانهم؛ ذلك أن التوراة علمتهم أن الله ذات غير منظورة وبعيدة، غير منظورة في معبد لم تصنعه يد صانع، وهو سيد الحق في الدنيا كلها، ومنزلته في السماء فوق الكهنة جميعا، على حين أنه كان للأمم الأخرى جميعا يومئذ آلهة ممثلة في تماثيل وأصنام أقيمت في المعابد، فمتى تهشم التمثال ودك المعبد، مات الإله لساعته!
وعند اليهود أن رب إبراهيم قد اختارهم لكي يكونوا شعب الله، وليعيدوا «أورشليم» فتكون عاصمة الحق في الدنيا، وقد أزهاهم اعتقادهم أن مصيرهم واحد، ومن أجل هذا كانوا مشبعين بهذه الروح حين عادوا من مأسرهم في بابل.
وعلى أثر سقوط صيدا وصور وقرطاجنة والمدن الفينيقية الأسبانية، كتب على الفينيقيين الفناء فجأة، وأصبحوا أثرا بعد عين، على حين أنه قد تخلف أو ظهر فجأة جالية يهودية، لا في «أورشليم» وحدها، بل في كل من إسبانيا وأفريقيا ومصر وبلاد العرب والشرق، وقصارى القول في كل بلد اختلف إليه الفينيقيون. وقد كانت التوراة هي رابطة اليهود، وكانت قرابتها هي الجامعة لهم، وكانت مدينتهم الحقيقية هي التوراة. أما أورشليم فقد كانت عاصمتهم الاسمية منذ نشأتهم. ولئن كانت بذور هذه الروح قد غرست قبل أن يكتب المصريون والسومريون لغتهم الهيروغليفية، غير أن هذا الحادث كان هو الأول من نوعه في التاريخ؛ ذلك أن الأمة اليهودية لبثت قائمة بعد أن أصبحت لا دولة لها ولا ملك، بل لا معبد لها، منذ قوضت أورشليم ذاتها في سنة 70م. هذا؛ ولم تكن هذه الحالة الفريدة الشاذة في التاريخ وليدة خطط السياسيين أو من بنات أفكار الكهنة، بل إنهم لم يتوقعوها، فقد كانوا في عهد ملكهم سليمان أمة صغيرة تسكن رقعة صغيرة من الأرض وتخضع لتصاريف الملك ولحكمة الكهنة، ثم إن دبيب الخلاف قد تدسس إلى هذه الأمة الصغيرة؛ فانقسمت شيعا ومذاهب، وفي تضاعيف هذا شرع صنف جديد من الرجال يبرز إلى ميدان الحياة مسيطرا على وجهتها الروحية في صورة لم يعهد التاريخ لها نظيرا؛ ذلك هو ظهور الأنبياء منتمين إلى أصول مختلفة. فقد كان النبي حزقيل ينتسب إلى عنصر الكهنة. أما النبي آموس فقد كان راعي غنم، غير أن الأنبياء جميعا كانوا لا يدينون بالطاعة إلا لرب الحق، وكانوا يتحدثون إلى الناس من غير وساطة. يقول النبي منهم: «لقد جاءتني كلمة ربي.» منددين بتراخي الكهنة وخطايا الملك وبأكل الأغنياء أموال الطبقة الفقيرة وأخذها بالباطل، وبمحالفتهم الأجانب ومحاكاة ما هم فيه من الترف والنعيم؛ لأن هذا يكرهه رب إبراهيم، هذا الرب الذي سيعاقب هذه الأرض حتما. إلى هذا كان يذهب أنبياء بني إسرائيل.
الفصل الثالث
Shafi da ba'a sani ba
الأسماء التي أطلقت على اليهود
لما كان يطلق على اليهود أسماء كثيرة، منها العبريون والإسرائيليون والصهيونيون، فقد عقدنا هنا هذا الفصل لإيضاح الكثير من هذه الأسماء المتعددة: (1) اليهود
فأما عن كلمة «يهود» فقد جاء في القرآن الكريم:
وقالوا كونوا هودا أو نصارى ، وهود هنا هي يهود، وهو لفظ غير منصرف للعلمية ووزن الفعل. ويجوز دخول الألف واللام فيقال: اليهود، فلا يمتنع التنوين لأنه نقل عن وزن الفعل إلى باب الأسماء، والنسبة إليه يهودي.
وهود الرجل ابنه تهوديا: جعله يهوديا، وتهود: دخل في دين اليهود.
وقيل: إن اليهود نسبة إلى «يهودا» رابع أولاد يعقوب من «ليئة»، مصدره «يده» بضم الدال بمعنى الشكر؛ لأنها شكرت الله على ولادة «يهودا»، وهو الذي حين كبر قدمه أبوه وجعله حاكما على إخوته الأحد عشر، وانتقلت بعد «يهودا» إلى أولاده، إلى أن أرسل الله إليهم «موسى» فأنقذ اليهود من فرعون، ورتب موسى اليهود الاثني عشر سبطا من أولاد يعقوب أربع فرق، وقدم عليهم سبط يهودا، إلى أن جاء الوحي بتقديم عثنيتيل بن قفاز على سائر الأسباط، إلى أن ملك داود ثم ابنه سليمان. (2) الإسرائيليون
أما الأصل في تسميتهم بالإسرائيليين فهو أنه تحت قيادة إبراهيم في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد رحل اليهود إلى أن نزلوا أرض كنعان جنوب الشام، ومن نسل إبراهيم : إسماعيل وإسحاق ويعقوب «أو إسرائيل». ومن أبناء إسرائيل «أو يعقوب» هذا ، يوسف صاحب القصة المشهورة، وهو الذي أحضر بني قومه الإسرائيلين إلى مصر فأقاموا بها أربعة قرون، وقد اضطهد فراعنة مصر الإسرائيلين، وأرسل الله إليهم النبي موسى، فأنقذهم من فرعون مصر في الأسرة الثامنة عشرة، وكان موسى إسرائيليا منهم تربى في بيت فرعون. هذا؛ وإسرائيل بالعبرية معناه «الرب» «أو يحكم» كان الاسم يحمله سلفهم يعقوب أبو القبائل العبرية، ثم إنه قد طبق على المملكة الشمالية مميزة عن جودا، ولو أن شعور الوحدة الوطنية قد جعلها شاملة المملكتين، وهي تدل على الأخص على مركز اليهود كجالية دينية مرتبطة بأغراض مشتركة وصلتهم بالإله الوطني
Jahweh .
أما إسرائيل إسحاق بن سليمان: فقد كان فيلسوفا وطبيبا يهوديا بين القرنين التاسع والعاشر، معاصرا لسيديا، وقد ولد وعاش في أفريقيا الشمالية، ومات في 950م في القيروان، وله مؤلفات طبية بالعربية ترجمت إلى اللاتينية. هذا؛ وقد جاءت تحت عنوان «أمة اليهود» في ص75 وما بعدها في الجزء الأول من تاريخ «ابن الوردي»، وهو زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس الوردي المعري الشافعي: أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام؛ ولإسرائيل اثنا عشر ابنا: روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي «ليفي»، ثم يهودا، ثم إيشاخر، ثم زيولون، ثم يوسف، ثم بنيامين، ثم دان، ثم نفتالي، ثم كادثم، ثم أشار. ومنهم أسباط بني إسرائيل. هذا؛ وجميع بني إسرائيل أولاد الاثني عشر سبطا.
واليهود أعم من بني إسرائيل؛ إذ من العرب والروم والفرس وغيرهم من تهود وليسوا من بني إسرائيل، وغير بني إسرائيل دخيل في ملتهم. يقال: هاد الرجل: إذا رجع وأناب. قال موسى: إنا هدنا إليك. فلزم هذا الاسم اليهود، وكتابهم «التوراة» مشتمل على أسفار: في السفر الأول مبتدأ الخلق، ثم الأحكام، والحدود، والأحوال، والقصص، والمواعظ، والأذكار، كما سنوضحه بعد.
Shafi da ba'a sani ba
خروجهم مع موسى إلى الطور
وخرج موسى بقومه إلى الطور ولبثوا فيها أربعين سنة، وهناك أوحى الله إلى موسى بشريعة التوراة، التي سنتحدث عنها في فصل خاص بعد.
وبعد موسى تولى أمرهم يوشع الذي قادهم إلى أرض كنعان، وأقاموا هناك وولوا قضاة يحكمونهم. ومن القضاة انتقل الحكم إلى ملوك منهم كان أولهم شاول (أو طالوت) في 1092ق.م، وخلفه داود ثم سليمان، كما ذكرنا قبلا.
مملكتا يهوذا وبني إسرائيل
ثم انقسمت الدولة اليهودية إلى مملكتين: مملكة يهوذا ومدتها «389»، ومملكة بني إسرائيل ومدتها «255»، وقد دمرهما البابليون والآشوريون.
الفرق الأربع
وبعد أن خرب بختنصر بيت المقدس، انقسموا فرقا أربع: الربانيين، والقرائيين، والعنانية، والسمرة.
أما السمرة فليسوا يهودا، ولكنهم تهودوا. وسنتحدث عنهم بعد.
هذا؛ ومما تمتاز به طائفة القرائيين حرصها على التقاليد القديمة مستمسكة بالتوراة نابذة ما عداها من التفسيرات والحواشي، فهم مع نص الكتاب مستقلون في الرأي. أما الربانيون فعلى نقيض هؤلاء، و«الرباني» لغة، هو العارف بالله. (3) العبريون
جاء في كتاب «القراءون والربانيون» تأليف «مراد فرج»: «العبريون جمع عبري نسبة إلى عبر - بكسر العين - هو أبو فلغ أبو رعو أبو سروغ أبو نحور أبو تارخ أبو إبراهيم، أول من ذكر بالانتساب إليه؛ لأنه كان أعظم أولاد سام وأكرمهم. جاء في السفر الأول من التوراة بالفصل الرابع عشر ما نصه: «فجاء من نجا وأخبر إبراهيم العبري.» فلما انتسب هذا الانتساب عليه السلام، انتسبته مثله ذريته. فهو جدهم الأول. فقيل لهم «العبريون»، وهي أول تسمية لهم.»
Shafi da ba'a sani ba
1
وروي أيضا أن كلمة «عبر» - كما جاءت في معجم لسان العرب - قد تعربت، ومعناها جانب النهر أو جانب الوادي، وأنها بفتح العين شاطئه وناحيته. وعلى هذا كان المعنى أن إبراهيم أو العبري قد انفرد بناحية - أو بمعرفة الله - وسائر الأمم في ناحية أخرى. كذلك عرفت لغة العبريين باللغة العبرية أو العبرانية.
ولقد كان العبريون يسكنون قطعة صغيرة من الأرض على الشاطئ الغربي لنهر الفرات، وكانت أور الكلدة - وطن تيراه والد «أبراهام» - أقرب كثيرا إلى الخليج الفارسي الذي كان يومئذ أكثر بعدا من جهة الشمال منه الآن، وفي اتجاه الجنوب الغربي امتدت شبه جزيرة العرب التي كانت القبائل الغربية تقوم بزراعة بعض أراضيها.
وكان العرب الصميمون كأجداد تيراه في جماعة من أبناء عبر. ويقال : إن اسم عبري مشتق من أبراهام، وهو الذي يقابله في اللغة العربية إبراهيم.
وفي التوراة أن «عبر» من أولاد سام بن نوح، ومنه أيضا تسلسل الآشوريون والآراميون. وهؤلاء وهؤلاء يتكلمون لغات وثيقة القربى؛ أي اللغات السامية. أما لغة الكنعانيين فهي أقرب اللغات إلى العبرية، على أن التوراة قد سلكت الآشوريين والآراميين مع المصريين في التسلسل من شام شقيق سام.
هذا؛ ويبدو أن العبريين قد أقاموا في أرض كنعان من القرن السادس عشر قبل الميلاد، وأنهم ملكوها بالوسائل السلمية؛ أعني بالمفاوضات والمعاهدات مع رؤساء كنعان الوطنيين، وأن العبريين كانوا شعبا حرفته رعي الخراف والماعز، وأنهم كانوا ينتقلون بها من مرعى إلى آخر، غير أن تربة الأرض الفلسطينية قد دعتهم إلى الاشتغال بالزراعة. وقد تم هذا تدريجيا. كذلك جاءت إلى هناك جماعات من أراضي الصحراء، أما إبراهيم فقد غرس خيامه حول حبرون. هذا؛ وقد تألف من سبط يهودا وسبط بنيامين بالتدس أناس يقال لهم: بنو يهودا. وأما الثانية فقد تألفت من العشرة الأسباط الباقية في مدينة شمرون «أي نابلس»، وكان يقال لهم: بنو إسرائيل، فلما انقرضت المملكة الثانية أصبح اليهود جميعا خاضعين لملوك بني يهودا إلى أن قدم بختنصر، وخرب القدس؛ مما أدى إلى هجرة اليهود جميعا إلى بابل؛ وهناك عرفوا باسم بني يهودا، وكان يقال لكل منهم: «يهودي». (4) الموسويون
ومما يطلق على اليهود اسم الموسويين؛ نسبة إلى النبي موسى عليه السلام.
وقد أقام إسحاق في جيرار والنجب. وكذلك فعل يعقوب الذي يطلق عليه أيضا اسم «إسرائيل» كما قدمنا. هذا؛ وقد كان عدد القبائل الإسرائيلية 12 مقسمة قسمين: أولها قد تناسل من السيدة ليا أو ليئة، وهن زوجات إسرائيل، وروبين وشمعون وليفي جودا وإيزاكار وزينولون. وثانيهما تناسل من السيدة راشيل، ومنه يوسف وبنيامين كما قدمنا.
ولقد كانت الأقوام التي سكنت فلسطين إلى عهد الإسرائيلية في ازدياد؛ لأن هؤلاء جاءوا من نسل الحظايا كما اتخذوا زوجات أجنبيات؛ فتميزوا عن جيرانهم ومساكنيهم الذين احتفظوا بنقاء أصولهم.
على أن هؤلاء الأمراء الوطنيين حين راعهم تدفق اليهود على فلسطين؛ عمدوا إلى اضطهادهم؛ فكانوا ينزحون إلى مصر، فلبثوا فيها إلى أن أرغمهم الاضطهاد على مغادرتها. (5) السامرة
Shafi da ba'a sani ba
السامرة - وبالعبرية «كوتيم» - هم من جاء بهم ملك بغداد من بابل وكوته وعواء وحماة وسفراويم ولان إلى شمرون، ليحلوا بها محل من أجلاهم من اليهود، وشمرون هي نابلس التي انحرف اسمها من «نيافوليس» - أحد قياصرة الروم - وفي تعريب التوراة كوث، وفي المقريزي كوشا. أما السامرة فكانوا يطلقون على أنفسهم اسم شومريم؛ أي سامرة من اسم شمرون أو بني إسرائيل، وكانوا يقولون: إنهم من أولاد يوسف، وكانوا مشركين عبدة أوثان، فسلط الله عليهم السباع ففتكت بهم، فأرسل إليهم الملك الكهنة لإرشادهم كما ورد في الفصل السابع عشر من سفر الملوك.
هذا؛ وقد هدم يوشناهو - ملك يهودا - أنصابهم كما جاء في الفصل الرابع والعشرين من سفر أخبار الأيام، كذلك يبدو أنه كان باقيا في شمرون بعض اليهود بعد إجلائهم.
وقد حرف السامرة التوراة، بل ذهبوا إلى إنكار اليهودية وإلى ممالأة أعداء اليهود. وكان من أثر هذا، أن زحف هرقانوس بن شمعون الكاهن على بلاد السامرة، مستوليا على نابلس ومخربا هيكل جريزيم. وفي 1623 مات آخر كاهن عظيم لهم من ذرية هارون؛ فانتقلت كهونتهم إلى ذرية غزيتيل من لهات. ونقص عددهم إلى أن أصبح 300 كما ورد في صفحة 122 من تاريخ مكاريوس بك سنة 1909. وكانوا ينزلون جبل جريزيم منزلة القدس وإنكار اليوم الآخر، وفي هذين يفترقون عن اليهود في بداية الأمر، ثم شايعوا اليهود القرائيين في إنكار التلمود. (6) المكابيون
والمكابيون - وبالعبرية مكابيم - ليسوا من الفرق المختلفة ولا المستقلة ولا البائدة، وإنما هم أسرة من بيت الكهنوت العظمى، وهم متاتيا من يوحنان وأولاده الخمسة، ماتوا كلهم شهداء جهادا عن بيت الله وأعداء اليهود. (7) الصدوقيون والبيتوسيون
الصدوقيون - وبالعبرية صدوقيم - من الفرق الإسرائيلية الكبيرة ذات الثروة والشرف؛ نسبة إلى كبيرهم صدوق، بدءوا بإنكار البعث والثواب والعقاب والتقشف، وبالحرص على نعيم الحياة، وذهبوا إلى أن العبد مسير ، وكل شيء مرجعه إلى القضاء والقدر، على نقيض الربانيين والقرائيين وأهل السنة، وقالوا بالعمل بمبدأ النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن على الحقيقة لا المجاز منكرين الدية.
هذا؛ والبيتوسيون نسبة إلى كبيرهم بيتوس، وهم والصدوقيون واحد. (8) الصديقون
الصديقون - وبالعبرية صديقيم - جمع صديق، وهي كما في العربية: الرجل الصالح التقي. وهم ليسوا فرقة، وإنما أهل نسك وزهد. (9) الحسيديم
الحسيديم جمع حسيد، ومعناه الورع الفاضل البار المحسن. وهي فئة بلغ من تفانيها في العبادة أن عندها أن من قتل في يوم السبت حية أو عقربا عد من غير الأتقياء. (10) الأسييم
الأسييم أو الأسينيم فرقة من الأتقياء، تفانى بعضهم في حب بعض وفي كبح جماح النفس إلى حد عدم الزواج، والقناعة بتربية أولاد غيرهم، وإلى احتقار المال والنظافة، ملابسهم بيضاء، يقبلون من يلتحق بهم، ليس بينهم غني ولا فقير ولا تفاضل. وهم أهل سلام يدعون الأمور إلى رؤسائهم المختارين، أحكامهم صارمة عادلة. وهم على أربعة أقسام.
هذا؛ وتماثلهم فرقة أخرى تفترق عنهم باستحسان الزواج بعد اختبار عفة المرأة ثلاث سنوات. (11) الكتاب
Shafi da ba'a sani ba
الكتاب، بتشديد التاء - وبالعبرية سوفريم من «سفر»، بضم الفاء - بمعنى حسب وأمان، ومنه السفر بمعنى الكتاب، وهم ليسوا فرقة، وإنما أهل فقه وتعليم ونسخ وتوراة وحفظ. (12) الفريسيون والربانون والتلموديون
الفريسيون - وبالعبرية فروسيم - هم الربانون أنفسهم.
وللكلمة معنيان: أولهما الاعتزال؛ أي إن الفريسيين قد اعتزلوا الأسييم والصدوقيين؛ ذلك أن الفريسيين حافظوا على التوراة والتلمود، وتشددوا في أمر الطهارة والنظافة والأطعمة، غير مستهينين بأمر الحياة. أما ثاني المعنيين فهو العمل بالتفسير؛ أي بالمشنا، والتوفيق بينه وبين التوراة.
هذا؛ ويقال للربانين: ربانيون وربيون، وهم من عدا القرائين. وبالعبرية ربانيم جمع ربان بمعنى الإمام الخبير الفقيه. وفي العربية الرباني: وهو العالم. أما ربيون فنسبة إلى الرب؛ أي السيد العالم. وقد ورد في سورة المائدة في القرآن الكريم:
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء .
جاء في صفحة 385 من الجزء 11 من صبح الأعشى للقلقشندي: «أما جماعة الربانين فهم الشعب الأكبر والحزب الأكثر ...»
هذا؛ ولا يتقيد الرباني بحرفية التوراة، بل يأخذ بتفسيرها الوارد في المشنا والتلمود. أما التلموديون فهم اسم آخر للربانين نسبة إلى التلمود. (13) القراءون
القراءون هم من يقتصرون على المقرا بمعنى المقرأ؛ أي ما يقرأ فيه، وهو التوراة دون المشنا أو بالعبرية المشنة، وهو كتاب عبري فقهي بمنزلة التفسير للتوراة، يشتمل على سنة نبوية متواترة أوحي بها إلى موسى في سينا في أثناء المدة التي قضاها كما أوحت إليه التوراة. غير أن الله أمره بأن لا يكتبه وإنما يبلغه شفها، فالمشنة عند الربانين هي التوراة الشفوية أو الثانية. فإن شنه بالعبرية تقابل ثنى في العربية، فالمشنا يضارعها المثنى. جاء في معجم الفيروزآبادي: «والمثنى ما استكتب من غير كتاب الله أو كتاب فيه أخبار بني إسرائيل بعد موسى أحلوا فيه وحرموا ما شاءوا.»
والمشنة في ستة أسفار لكل منها مباحثه: (1) الزراعة و(2) الأعياد و(3) النساء و(4) إرش الجنايات أو ضمان الضرر و(5) الوقف و(6) الطهارة.
وبينما ينكر القراءون المشنا، يعتقد الربانون أنها سماوية كالتوراة، ويتقيدون بما وضعه علماء التلمود للمشنا من الترجيح والشرح والتفسير، وهو الجمرا.
Shafi da ba'a sani ba
وفي المشنا كثير من التناقض، الذي دعا علماء اليهود يغلقون باب الاجتهاد وتحريمه منذ نحو 1450 سنة، فوقع تفسيرهم هذا في عشرين جزءا كبيرا، عرفت باسم التلمود من مصدر مد بفتح فضم ممدودا، بمعنى تعلم علم، ومنها تلميد بمعنى تلميذ، وعرف أيضا «بجمرة» من مصدر «جمر» بفتح فضم ممدود، بمعنى أتم أو وفى؛ أي إن الجمرة أتم وأكمل من المشنا، التي هي التفسير دون الترجيح والشرح. أما التلمود فيصدق على المشنا والجمرة. (14) الفرق اليهودية البائدة
ورد ذكر الفرق اليهودية البائدة في كتاب الملل والنحل ولم يرد في المقريزي، وهم العيسويون، واليودجآنيم، والشدجئوينم، والموشكتم، والشهركينم. (15) السفرويم والإشكنازيم
السفرويم بمعنى الإسبانيين والإشكنازيم الألمانيين؛ أي من اليهود الذين أقاموا في إسبانيا وألمانيا، بعد جلائهم، وإن كانوا قد انتشروا في جهات أخرى أيضا. والسفرويم يحرمون تعدد الزوجات، ويقيدون الذبح والصلاة بقيود، في حين أن الإشكنازي يتسامح فيما يتشدد فيه السفردي. (16) الصهيونيون
أما الصهيونيون، فهم ذلك الفريق من اليهود الذي يسعى جاهدا لاستعادة الدولة اليهودية المستقلة ذات السيادة، مستمسكا بأن فلسطين هي الوطن القومي اليهودي الأصيل، وبأنه ينبغي فتح باب الهجرة إليها لكي يصبح اليهود أكثرية والعرب أقلية. وهذا ما سنوضحه في الجزء الأخير من الكتاب، وحسبنا أن نقول هنا: إن صهيون الذي ينسب إليه الصهيونيون هو تل أو جبل صغير في القدس، وإنه من قبيل إطلاق الجزء على الكل؛ أي القدس.
الفصل الرابع
بداية الدولة اليهودية
كان بين الأقوام التي تقسمتها الاختلافات اللغوية وغادرت مواطنها الأصلية، بعض القبائل التي من الأصل السامي الرحالة الساكنة بين الدجلة والفرات، قد طردها المغيرون والظالمون إلى سواحل البحر المتوسط، وكان الطيراقيون أو العبريون من نسل إبراهيم الذين لم يكن الإسرائيليون سوى فرع منهم. وكانت فلسطين أول مهبطهم، وكانت أخلاقهم ساذجة لكونهم رعاة وزراعا، وكانوا يقودون قطعانهم في أعالي البلاد في وادي نهر الأردن، وعلى مقربة منهم كان يسكن الكنعانيون «أو الفينيقيون» الذين استعمروا ساحل البحر المتوسط، وأكثرهم من الملاحين والتجار، وعنهم تلقى الإسرائيليون هاتين المهنتين؛ مما كان له الأثر البعيد في مصير الإسرائيليين.
وحين دخلوا مصر كانوا يتألفون من ستين أبا أسرة، فلما خرج أبناؤهم منها كانوا - كما ذهب مؤرخو الفرنجة - أمة أصبحت تؤلف مملكة من الكهنة، أمة مقدسة، ومنحوا قانونا، حفره «موسى» على ألواح من الحجر، فحفر في قلوب الإسرائيليين. خوطب بها العقل والقلب ومنحها دستورا أساسه «جمهوري وديموقراطي، وأن الله هو مرشد الخلق والمثل الأعلى للعدالة وليس له من يمثله على الأرض.» وخلف موسى نبي آخر، كان هو وأعضاء المجلس الأعلى أنبياء من الشعب وللشعب من غير تفريق بين طبقة وطائفة.
لم يتح للإسرائيليين بعد موسى وجوزيه، عظيم يسعه صون وحدة الأمة ويكافح الفوضى والغزو الخارجي، وكانت قبائلهم بين أن تخضع للأجنبي أو أن يسعها أن تتحرر من نيره لا يعنيها غير المصلحة الوقتية؛ فنسيت ديانتها، وعبدت آلهة الفينيقيين.
وبعد فترة طويلة مليئة بالمآسي، ظهر رجل الساعة القاضي العادل «صمويل» بعد ثلاثة أجيال من وفاة «موسى »، ثم نزلت الهزيمة بهم في حربهم مع الفلسطينيين. هذا؛ وقد كان صمويل، مع مدرسة من الأنبياء بالبلاد، موحدا القبائل، وبعد ذلك تمت وحدة الأمة، التي طلبت من صمويل ملكا فانتقلت من الجمهورية إلى الملكية. وفي عهد الملوك الثلاثة الأولين - خاصة الملك داود - بلغت الأمة أوجها السياسي. كذلك كان عهد الملك سليمان، فاتسعت مساحة المملكة من سوريا إلى البحر الأحمر، وتقدمت تجارتها وامتدت ملاحتها، وعقدت مع جارتيها مصر وفينيقيا المعاهدات، وأخرجت آدابها الوطنية، وأسست عاصمتها «أورشليم» ومعبدها «موريا»، وركزت جميع قوى الأمة، غير أن هذا النعيم قد أفضى بها إلى الإسراف في الظلم.
Shafi da ba'a sani ba
وفي خلال قرنين ولي الملك «إيلي» ذو الحمية والغيرة في زي من الشعر حزامه من الجلد، وكان إيايزيه تلميذه المحبوب، وآموس راعي تيوقا وإيساي أكبر الأنبياء وزكريا وهوسيه، وميشا الذي ساد العدل البلاد في عهده على الأرض كلها، فساد السلام جميع الأقوام.
يهود أورشليم
أورشليم «جيروسلايم» عبرية. يؤخذ من مكتوبات وجدت في تل العمارنة موجهة من أحد الحكام الأقدمين لأورشليم أن اسمها كان «أورسليم»؛ أي «مدينة سليم» أو «مدينة السلام» منذ أعوام عديدة قبل أن يدخل الإسرائيليون تحت جوزهوا أرض كنعان. ولما أعاد «الإمبراطور هادريان» بناء المدينة أبدل اسمها إلى «إيليا كابيتولينا». وكان العرب يطلقون عليها أسماء تعبر عن تقديسها «كبيت المقدس» و«المقدس»، ومختصرها «القدس».
والتاريخ البعيد جدا «للقدس» غامض، وجهد ما وصل إلينا - كما يؤخذ من المكتوبات المشار إليها - أنه قبل أن يغزو جوزهوا
Joshua
القدس، كان المصريون يحتلونها؛ إذ كان موقعها استراتيجيا في أرض تلية جنوبي فلسطين. وليس معروفا كيف هجرها المصريون، وإن يكن من المحقق أنه حين غزاها الإسرائيليون، كان يحكمها الجيبوزيون من مواطنيها، وهم سكان مدينة «جيبوز» التي لم يعرف موقعها بعد، وإن يكن بعض المؤلفين يحددون هذا الموقع عند التل الغربي المعروف الآن باسم «صهيون»
Zion ، ويحددها آخرون على التل الشرقي بعدئذ في المكان الذي يشغله معبد ومدينة داود، ومما تدل عليه التوراة أن «أورشليم» كانت جزءا منها في يهودا «جودا» والآخر في «بنجامين »؛ ذلك أن الخط الفاصل بين قبيلتي جودا «يهودا» وبنجامين أو بنيامين يخترق المدينة. وعلى هذا كان الجزء المسمى زيبوس
Jebus
في التل الغربي. أما الجزء المعروف باسم حصن صهيون الخارجي، فكان على التل الغربي، على أن الجوديين والبنجاميين لم يستطيعا الاستيلاء التام على هذا المكان، فقد كان الجيبيون يشغلونه حين أصبح داود ملكا على بني إسرائيل، ذلك الملك الذي وفق في الاستيلاء على «أورشليم» بعد بضع سنين وشدائد. فقد أنشأ مدينته الملكية في التل الشرقي القريب من صهيون، حين صارت «جيبوز» المدينة التي في الجانب الغربي لوادي تيروبيان، المدينة التي عين «جوب» قائد داود حاكما عليها، وقد أحاطها داود بسور وقلعة يرجح أنها كانت في موقع الحصن الجوبوزي، بينما كان حصن «جوب» في المدينة الغربية. أما في شمال مدينة داود فإن الملك - مؤتمرا بأمر سماوي - اختار موقعا لمعبد جيهوفا الذي أنشأه سليمان، وأكثر المؤلفين يذهبون إلى أن الموقع الحالي الذي يشغله هذا المبنى لا بد أن يكون واقعا على أحد أجزاء المسافة المعروفة باسم هارام. •••
هذا؛ وقد كان يسكن فلسطين في القرن الخامس عشر ق.م أناس لغتهم وأفكارهم وديانتهم لا تختلف أساسا خلال مئات السنين؛ ذلك أن فلسطين كان يحكمها أمراء وطنيون تابعون لمصر، التي بعد طردها الهكسوس امتدت فتوحها إلى الفرات، وبعد بضعة قرون ادعت بابل ملكية الدول التي تقع في غربها. وقد استخدمت الكتابة واللغة الآشورية لا فيما يتصل بالمكاتبات الدبلوماسية، بل في الشئون الخاصة واليومية بين الأمراء الفلسطينيين أنفسهم.
Shafi da ba'a sani ba
وكانت كنعان «أي فلسطين» وجنوب الساحل الفينيقي وعامر
Amor ؛ أي كنعان وما إليها، تسيطر عليها مصر سيطرة دائمة. وكان موظفو مصر يجوبون بلادها لتحصيل الجزية، ولسماع شكوى الشاكين، وللتثبت من ولاء الحكام. ففي لوحات العمارنة وما وجد عند تناخ وما كشفت عنه الآثار، ما يوضح ما كان عليه القوم من الثقافة والحضارة من غير تعيين حدود ذلك، وكان الحيثيون يقلقون مصر ويتعدون حدود فلسطين التابعة لها. وفي نهاية الربع الأول من القرن الثالث عشر قبل الميلاد استعادت مصر ولايتها .
وكان هناك بين الحين والحين أناس منعزلون أصاخوا إلى تعاليم الأنبياء، وعلى رأس أولئك الملك جوزياس.
1
الفصل الخامس
أصل الديانة اليهودية
كانت الديانة الكنعانية ذات طابع سامي متعددة الآلهة، فكان لكل مدينة، بل لكل حقل، بل لكل كرمة عنب، ولكل بئر وينبوع سيدها «بآل. أدون»، أو سيدتها «بآله»، وهو مالكها وحاميها المقدس. وكانت مراسم الحياة الجنسية تحت رعاية الآلهة استارته «أو أشيره»، ويقابلها عند البابليين «إستار»، وكان يخدمها أتقياء وتقيات منحوا أجسامهم تكريما لقداستها.
وإلى هؤلاء الآلهة الرئيسيين - ثم آلهة أقل مرتبة، وهي أرواح - كانت الصور المزخرفة تقدم احتراما للعابدين وللمعبودين. وإلى جانب المذبح تقام عماد من الخشب «آشيرة»، أو عامود من الحجر «مازبة». أما المذبح فهو مائدة الإله توضع عليه الهدايا شكرا لوفرة المحصول أو غزارة الماشية، وكانت هناك كئوس تستقبل دم الضحايا من الحيوان أو يصب فيها النبيذ، ويدخل العابدون مع الإله مشتركين في الوليمة المقدسة. وكان الحيوان يوضع أحيانا على المذبح لكي يفنى على النار ويصعد البخار كرائحة طيبة نحو الإله، والمفروض أن مقامه في السماء، وكان يحتفل بالمواسم الزراعية الدورية وجمع الفاكهة في مرح صاخب، ويصحب هذا رقص على نغمات الموسيقى الصاخبة، وإسراف في شرب الخمر واللذات والطعام، مغمدين السيوف والحراب في أجسامهم إلى أن يسيل الدم منها. وكانت الألقاب الفخرية المقدسة تمنح إلى أرواح الموتى، وكذلك كان الطعام يقدم إلى المدفن، وكان في الوسع الحصول على الأخبار عن طريق السير ليلا في المقابر أو مناجاة أرواح الموتى، كما كانت الأولاد تحرق، سواء لأغراض مقدسة أو تضحية من أجل باعث غير عادي.
وكان اليهود في بداية إقامتهم في كنعان يروعهم هذه التضحيات. غير أنهم مع الأيام، انتهوا إلى محاكاتها وإدخالها بتفصيلاتها كلها إلى طقوسهم، على أنهم ارتدوا إلى صفاتهم الأولى حيال ما شهدوا من صنوف الفساد وعواقبه البغيضة الناشئة عن حضارة آسنة.
غير أنه قد بقي أثر مظاهر تلك الطقوس الكنعانية كالمازبة «الدعامة»، الذي يوجد إلى جانب المذبح، الذي حل محله الآن «الطيبة»، وهي ما يشبه المصطبة التي يقف عليها الكاهن. وكذلك النبيذ الذي يوضع الآن في كأس ويشرب في المعبد هو أثر لدم القرابين، والكبش الذي كان يضحى به ويحرق على المذبح كان موضع تكريم الإسرائيليين إلى أن ألغي على أثر تدمير معبد القدس.
Shafi da ba'a sani ba
ثم إن لغة اليهود - كما سنوضحها - كانت ذات لهجة آرامية أقرب إلى العربية. والآرامية تنسب إلى آرام بن سام، وترجع إلى بعض القبائل السامية، التي نزحت طائفة منها إلى أرض كنعان التي عرفت باسم فلسطين منذ القرن الثالث عشر ق.م. كما نزحت طائفة أخرى إلى العراق في القرن العاشر ومنهم الكلدانيون. أما من بقي منهم هناك فقد لبثوا يتكلمون هذه اللغة منذ العصر العباسي، ومنهم أيضا الآشوريون. وثمة طائفة ثالثة أقامت في الشام وقضت على الحيثيين.
جاء اليهود «الآراميون» إلى أرض كنعان «فلسطين»، وتكلموا لغتها الكنعانية، كما كتبوا بها مع تأثر بالآرامية، فاختلفت لغة اليهود التي أطلق عليها عندئذ اسم العبرية عن الكنعانية بعض الاختلاف.
ولعل الكتاب المقدس هو أكبر مصدر عن اليهود تاريخا وأدبا عبريا، والكتاب المقدس يشتعب العهد القديم «التوراة» والعهد الجديد «الإنجيل»، وهو كتاب دين وتاريخ وأدب. فأما التوراة فهي أساس الديانة اليهودية والأدب اليهودي، وهي - إلى هذا - أساس الديانة المسيحية؛ ذلك أنه بينما يؤمن المسيحيون بالتوراة وبالإنجيل، يؤمن اليهود بالتوراة والتلمود.
التوراة
التوراة كلمة عبرانية معناها: الشريعة، أو الناموس، وهي تطلق عند اليهود على خمسة أسفار «كتب» يقولون إن موسى كتبها. وهي سفر التكوين - بدء الخلق - وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد، وسفر تثنية الاشتراع كما سنوضحه بعد.
ويطلق «النصارى» لفظ التوراة على جميع الكتب التي يسمونها العهد العتيق؛ وهي كتب الأنبياء، وتاريخ قضاة بني إسرائيل وملوكهم قبل المسيح، ومنها ما لا يعرفون كاتبه. أما التوراة، في عرف القرآن، فهي ما نزل من الوحي على موسى ليبلغه قومه. وعند مؤرخي العرب وغيرهم أنه قد فسد بنو إسرائيل بعد موسى، وأضاعوا التوراة التي كتبها، ثم كتبوا غيرها، ثم إن «عزرا» الكاهن، وهو الموصوف في التوراة المكتوبة الآن بأنه هيأ قلبه لطلب شريعة الرب، والعمل بها، وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء - عزرا هذا كتب لهم التوراة، بأمر «أرثحشستا» - ملك فارس - الذي كان قد أذن لهم في العودة إلى فلسطين.
وعلى هذا يذهب هؤلاء المؤرخون إلى أن جميع أسفار التوراة التي عند اليهود والنصارى قد كتبت بعد السبي في 537 قبل الميلاد، ويدل على ذلك كثرة الألفاظ البابلية فيها. وإنما جاءتهم البابلية أثناء إقصائهم عن وطنهم، وسبيهم في بابل.
هذا؛ وقد اعترف علماء اللاهوت من النصارى بفقد توراة موسى التي هي أصل دينهم وأساسه.
قال صاحب «خلاصة الأدلة السنية، على صدق أصول الديانة المسيحية»: «والأمر مستحيل أن تبقى نسخة موسى الأصلية في الوجود إلى الآن، ولا نعلم ماذا كان من أمرها، والمرجح أنها فقدت مع «التابوت» لما ضرب بختنصر الهيكل، وسبى بني إسرائيل، وأن عزرا الكاتب الذي كان نبيا بعد موسى جمع النسخ المتفرقة وكتبها.»
أما اليهود فيقولون: إن عزرا كتب ما كتب بالإلهام.
Shafi da ba'a sani ba
ثم إن بعض علماء الفرنجة قد أوضحوا: «أن أسفار التوراة قد كتبت بأساليب مختلفة، فلا يمكن أن تكون كتابة واحد.»
قال الأستاذ الشيخ محمد عبده: «إن التوراة التي يشهد لها القرآن، هي ما أوحاه الله إلى موسى ليبلغه قومه. وأما التوراة التي عند القوم اليوم، فهي كتب تاريخية مشتملة على كثير من تلك الشريعة المنزلة؛ لأن القرآن يقول في اليهود: إنهم أوتوا نصيبا من الكتاب، كما يقول: إنهم نسوا حظا مما ذكروا به. ولأنه يستحيل أن تنسى تلك الأمة بعد فقد كتاب شريعتها، جميع أحكامها، فما كتبه «عزرا» وغيره مشتمل على ما حفظ منها على عهده، وإن كان فيه تخليط وتحريف.» (جزء 3 تفسير القرآن للشيخ محمد عبده).
هذا؛ وقد كان خروج موسى مع بني إسرائيل من مصر، ثم نشر تعاليمه في التوراة سنة 1220 قبل الميلاد.
وجاء في التفسير المشار إليه الجزء الخامس عند شرح قوله تعالى:
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه
بأنه قد أثبت العلماء تحريف كتب العهد العتيق «التوراة» والعهد الجديد «الأناجيل» بالشواهد الكثيرة ، وفي كتاب «إظهار الحق» للشيخ رحمة الله الهندي رحمه الله، مائة شاهد على التحريف اللفظي والمعنوي.
قال (هورن) في المجلد الأول من تفسيره لسفر «تثنية الاشتراع» من التوراة: لا يمكن أن تكون تلك الفقرات من كلام موسى، وإن (عزرا) الكاتب زاد بعض العبارات في التوراة.
هذا؛ وقد جاء في دائرة معارف لاروس تحت كلمة توراة ما يأتي: «العلم العصري - ولا سيما النقد الألماني - قد أثبت بعد أبحاث مستفيضة في الآثار القديمة والتاريخ وعلم اللغات، أن التوراة الحالية لم يكتبها موسى، وأنها عمل أحبار لم يذكروا اسمهم عليها، ألفوها على التعاقب، معتمدين في تأليفها على روايات سماعية، سمعوها قبل سبي بابل.»
تلك هي جملة ما قيل عن «التوراة»، أوردناها لكي يقف القارئ على منزلة هذا الكتاب لا ككتاب دين وحسب، بل ككتاب تاريخ، وخاصة تاريخ اليهود، وهو - إلى هذا - كتاب أدب.
جاء العبريون - كما قدمنا - من الصحراء عابرين الأردن، وهبطوا فلسطين. وكانت لغتهم الآرامية؛ أي لغة آرام بن سام، وهي جماعة القبائل السامية التي تفرقت في أنحاء شتى، فمنها ما استوطن كنعان «فلسطين» بين القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، ومنها ما نزل العراق حول القرن العاشر قبل الميلاد، كالكلدانيين والآشوريين، وثمة قبائل عاشت في شمال سوريا وقوضت حكم الحيثيين. وقد اتخذ اليهود لغة الكنعانيين - سكان فلسطين الأصليين - لغة عبرية لهم مع تأثرهم باللغة الآرامية، فجاءت اللغة اليهودية مختلفة بعض الاختلاف مع الكنعانية كما أشرنا إلى هذا في ما تقدم.
Shafi da ba'a sani ba
أقسام الكتاب المقدس والتوراة
يشتعب الكتاب المقدس التوراة «العهد القديم» وهو عمدة الدين اليهودي والأدب المسيحي. والتلمود لليهود والإنجيل «العهد الجديد» للمسيحيين.
أما «التلمود» فهو مجموع قوانين وتقاليد مقدسة هادية، شرحها رجال الدين اليهودي، وتناقلها اليهود إلى عهد النبي موسى. وقد جمع التلمود في ثلاثة قرون من القرن الرابع إلى السادس، وهو قسمان: (1) مشنا - بكسر الميم - وهو أحكام شرعية، بالعبرية، مقيسة على «التوراة». و(2) جمارا - بكسر الجيم - بالعبرية والآرامية.
هذا؛ والتوارة 39 سفرا في 3 مجموعات: أسفار القانون «الشريعة»، وأسفار الأنبياء، ومتنوعات .
وفي الفصول الأربعة الأولى من سفر التكوين ذكرت قصة الخلق في الجنة وآدم وحواء، وقابيل وهابيل. وفي بقية السفر، ذكرت سير نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته وغيرها.
أما سفر الخروج، فيتحدث عن خروج بني إسرائيل من مصر وتجلي الله لموسى في سينا وسيرة موسى، التي تمثل تاريخ بني إسرائيل في أسفار موسى الخمسة.
أما سفر اللاويين - المنتسبين إلى لاوي أو ليفي - فيتحدث عن الشعائر الدينية في القرايين وهارون وابنيه. وأما سفر العدد الذي يعدد القبائل ويبين أنصباءها في الغنائم، فيتحدث عن خروج بني إسرائيل من سينا إلى شرق الأردن واضطراب الشعب. وأما سفر تثنية الاشتراع فيتحدث عن إعادة التشريع مرة أخرى بتطهيره من بعض الشعائر، وتعيين مكان للعبادة.
وفي سفر يوشع «خليفة موسى» أن يوشع عبر بالإسرائيليين الأردن من غير أن تبتل أقدامهم، واحتل مدينة أريحا بالنفخ بالأبواق والصياح، ووقفت الشمس والقمر عن المسير حين أشار إليهما، وقد أراد يوشع أن يتمم ما بدأ به موسى، وهو عبور الأردن والاستيلاء عليه، فجمع الإسرائيليين للفتح، وأرسل جاسوسين نزلا على بغي اسمها «راحاب» التي أبت أن تسلمهما إلى ملك أريحا بأن خبأتهما في سطح منزلها، ثم عاهداها على أن يستحييها الإسرائيليون هي وأباها وأمها وإخوتها وأخواتها إذا فتح يوشع وقومه «أريحا». وقد وفى يوشع بالعهد ثم أحرق المدينة.
وفي سفر القضاة قامت «بورة» بمثل ما قامت به «جان دارك» الفرنسية؛ ذلك أن بورة كانت نبية إسرائيلية، وكانت تجلس تحت نخلة للحكم بين المحتكمين إليها، وحين دعت «باراق» أن يقود الإسرائيليين لمحاربة كنعان ليتحرروا من سلطانها، اشترط عليها أن تصحبه، ففعلت وانتصروا، ووضعت أنشودة النصر، وفيها: «اسمعوا - أيها الملوك - وأصغوا - أيها العظماء - إني أغني لله، إله بني إسرائيل. يا إلهي، لقد تجليت للجبال فدكت، للأرض فزلزلت، وللسماء فانشقت، وللسحب فأمطرت.»
وفي سفر القضاة: قصة شمشون، الذي أعدته القدرة الإلهية، منذ كان جنينا لهلاك أعداء الإسرائيليين، وقد أحب شمشون فتاة كنعانية «فلسطينية»، وتزوجها على الرغم من معارضة والديه في بداية الأمر، ولما سافرا معه لإتمام الزواج، فتك شمشون بأسد هاجمه، ولم يعرف والداه هذا الحادث، ثم عاد إلى مكان الأسد فوجد في جوفه خلايا أكل من نحلها. ولما تزوج شمشون أقام وليمة لثلاثين من الشبان، وسألهم عن الأسد والعسل في الصيغة الغامضة التالية: «ما شيء كان آكلا فنتج منه الأكل، وكان جافا فخرجت منه حلاوة؟» ووعدهم بأن يمنحهم 30 ثوبا و30 قميصا إذا ما حلوا اللغز. فلما عجزوا عن الحل، نهضت زوج شمشون بحله. فقال: «لولا ما احتلتم على نعجتي ما عرفتم أحجيتي.» ثم إنه لما أحب بغيا في غزة، أغلق سكانها أبواب المدينة وحبسوه إلى الصباح ليقتلوه، غير أنه خرج في منتصف الليل إلى الجبل. ثم أحب أخيرا امرأة تدعى «دليلة» أغراها الكنعانيون بمعرفة سر قوته، فعرفت منه بعد لأي أن شعره هو مصدر قوته؛ فحلقوه وقلعوا عينيه وسجنوه في غزة تمهيدا لقتله، غير أن الشعر عاد فنبت ثانية، وعادت إليه قوته، وبينما كانوا في بيت أمسك بعموديه فسقط البيت عليهم، وعليه فكان من قتلهم في موته أكثر ممن قتلهم في حياته. وقد صاغ «ملتون» الشاعر الإنجليزي هذه القصة في قصة جديدة، مطلقا عليها اسم «شمشون الجبار»، وكذلك فعل «سانت سانيس» الفرنسي في رواية تمثيلية.
Shafi da ba'a sani ba
هذا؛ وفي سفر روث أو «راعوث» أربعة فصول قصيرة 100 سطر، وبها قانون للمرأة وللميراث.
وفي أسفار الملوك - وعددها أربعة - ذكر الإسرائيليون في مجد دولتهم، فلما غفلوا عن ذكر الله سيموا العذاب والهزيمة والأسر، فقد دبت في صمويل المتدين الباسل الشيخوخة بعد أن صارع الأعداء، وضعف بنوه الفاسدون عن الصراع، فاستنجد الإسرائيليون بشاءول الذي خضع لضعفه، وأعقبه يوناثان الذي لم يكن يصلح للقيادة مع أنه أشجع من أبيه، فنهض داود القائد الحكيم بالعبء وقتل جولياث، وقد عزت التوراة إلى داود صفات خارقة لطبائع البشر إلى جانب أحزانه وغضبه وجوانب ضعفه.
وجاء بعد داود ابنه سليمان الحكيم العظيم في دولة المجد والثراء، وهو إلى ما عزته إليه التوراة من الحكمة، كان منحرف المسلك، خاصة في شيخوخته، فارتد إلى الوثنية والغرام بالنساء تاركا ملكا متصدع البناء، متهدم الأركان. وكان خلفاؤه ضعافا.
ثم ظهر من بعدهم «الياهو» وأحد أتباعه «اليسع» لهما معجزات الأنبياء، فقد انحسر لهما ماء «الأردن»، وانفتح أمامهما الطريق، وأعادا الحياة إلى الموتى، وأضافا إلى طعام الأرملة الفقيرة طعاما من لا شيء، على أنهما قد أرغما الناس على الإيمان بهما في قسوة، كان من آياتها الفتك بأربعين يافعا سخروا من اليسع كما يسخر الأطفال.
ثم إن أمور الإسرائيليين قد سارت من سيئ إلى أسوأ إلى أن استولى ملك بابل «بختنصر» على أورشليم «القدس»، فسبى نساءها، وشرد أبناءها، وأزال دولتها كما ذكرنا قبلا.
وفي سفري عزرا ونحميا أن اليهود عادوا من بابل وجددوا بناء أورشليم، ونفخ لها نحميا فيها روحا جديدة، وأعادوا قوانينها، ونشر عزرا وخمسة من الكتاب في أربعين يوما، مائتي كتاب وأربعة.
وفي سفر «إستير» أن «إستير» كانت امرأة يهودية فارسية، وسعها أن تسيطر بجمالها على ملك فارس، فاستطاعت مع مربيها اليهودي «مردوخاي» أن توقع بالوزير «هامان» الذي كان يضطهد الإسرائيليين ويسفك دماءهم، وأن يقتل هؤلاء من الفارسيين 75800 في يوم واحد، وأصبح يوم عيد اسمه «بوريم».
وفي سفر «أيوب» أنه كان شقيا فقد أبناءه، وكان يطيع ربه، وعاش شيخوخة مطمئنة سعيدة غنية، ورزق بنين وبنات.
وفي كتاب «قصة الأدب في العالم» أن النقاد قد أجمعوا على أن أشعار أيوب والمزامير ونشيد الأناشيد قد كتبت كلها شعرا جيدا ممتازا، وأن سفر الأناشيد سفر غرامي، يظن أنه مجموع من الأغاني التي كان الشعب الإسرائيلي يرددها عند الزواج أو أنها أغان دينية رمزية.
ومن نشيد الأناشيد، سفر أشعيا؛ وهو نبي مؤمن متشائم لإثم الإنسان، جاء بشيرا ونذيرا للإسرائيليين، ويعلن قدرة «يهواه» على إنقاذ أورشليم، ثم يتنبأ بقدوم المسيح هاديا ومخلصا.
Shafi da ba'a sani ba
وفي سفر أرميا الذي يصف العصر المظلم لليهود قبيل سبيهم، يتجلى تشاؤم أرميا، ومراثيه لما حل باليهود من القوارع، وثورته على فساد الدولة وديانتها التي أصبحت لا حياة فيها ولا روح.
وفي سفر حزقيال - الشغوف بالرمز في التصوير الرائع - أن ملك مصر قد تحطم بشجرة دب في جذوعها السوس ونخرت منها الفروع.
وفي سفر دانيال، معجزات وتفسير أحلام، وأن دانيال ألقي في عرين الأسد فخرج منه سليما من الأذى، وأن النار كانت بردا وسلاما على دانيال حين قذف به في أتون مستعر، وقد حث اليهود على طلب المعالي مع وصف نكباتهم.
هذا؛ وقد كانت رسالة أرميا موجهة إلى العالم أجمع لا الإسرائيليين، حين كان للآشوريين السلطان العالمي، فكانت مصر وبلاد أخرى خاضعة لهم. وكان أرميا شاعرا ثائرا.
الأدب
في الأدب العبري شعر غنائي أو عاطفي، والرثاء أشعار شعبية حزينة تتحدث عن مجد صهيون الغابر والبكاء عليه.
المزامير «المزامير» عند العرب «الزبور»، ومن أقسامها: ما يتصل بالعبادة وبالأغاني الدينية وبالمراثي، وبالشكر والمدائح الملكية، وهي من وضع مؤلفين عديدين في عصور متوالية. أما نشيد الأناشيد فهو غرامي. وعند بعضهم أنه غزل رمزي، وعند آخرين أنه غزل دنيوي.
ومن الشعر العبري الشعر التعليمي في كتاب الأمثال، الذي يشمل مجموعة متفرقة من الحكم والأمثال وضعها كثيرون. أما في سفر الجامعة فيبدأ «باطل في باطل، وكل شيء باطل.» وواضعه حكيم عظيم خبير ومتشائم شاك في قيمة كل شيء.
أما سفر أيوب فهو كتاب نفيس في الأدب العبري والأدب عامة، أسلوبه شعري رائع، وموضوعه فلسفي جيد قوي عميق يتصل بالجزاء.
أنبياء بني إسرائيل
Shafi da ba'a sani ba