البرهان الخامس:
لما كان العالم محسوسا مدركا وكان لا يخلو بجميع ما فيه من خمسة أقسام، أما مبصرا وهو مدرك البصر، وإما مسموعا وهو مدرك السمع، وإما مشموما وهو مدرك الشم، وإما مذوقا وهو مدرك الذوق، وإما ملموسا وهو مدرك اللمس.
وكان لو كان العالم بأقسامه هذه بأن يستحق القدمة لكان الذي يدركه وهو مدركه أولى بأن يستحق القدمة، إذ من قضايا العقل أن الذي يدرك أجل من مدركه (1). وأن الذي يحوي أعلى من المحوي، وكانت القوى التي بها يدرك العالم التي هي المشاعر الخمسة محدثة، فالعالم المدرك أولى بأن يكون محدثا، إذ العالم محدث، والمحدث يقتضي محدثا، والمحدث هو الصانع، فالصانع ثابت.
البرهان السادس:
لما كانت الأشياء لا تدرك إلا ما كان من عنصرها ولا تدرك ما علا عليها " إلا ما كان " (2) دونها، وكان محدث لا من عنصر القديم ولا هو عال عليهما، كان من ذلك الحكم بأن العالم لو كان قديما لكان غير مدرك " ولا " (3) محسوس بحواس محدثة.
ولما كان مدركا محسوسا ملموسا مبصرا مذوقا بحواس محدثة مفعولة قد علت الحواس بإدراكها إياه، وكان لا عالم الطبيعة إلا ذلك، كان منه العلم بأنه محدث مثله، والمحدث يقتضي محدثا، إذا للعالم صانع، فالصانع ثابت.
Shafi 31