389

أيضا من أحد هذين الوصفين ، فإن كان الموضوع جوهرا ، فقوام العرض في الجوهر ، وإن لم يكن جوهرا ، كان أيضا في موضوع ، ورجع البحث إلى الابتداء ، واستحال ذهاب ذلك إلى غير النهاية (1)، كما سنبين في مثل هذا المعنى خاصة.

فيكون لا محالة بآخره (2) فيما ليس في موضوع ، فيكون في جوهر ، فيكون الجوهر مقوم العرض موجودا ، وغير متقوم بالعرض ، فيكون الجوهر هو المقدم في الوجود.

وأما أنه هل يكون عرض في عرض ، فليس (3) ذلك بمستنكر ، فإن السرعة في الحركة ، والاستقامة في الخط ، والشكل المسطح في البسيط ، وأيضا فإن الأعراض تنسب إلى الوحدة والكثرة ، وهذه سنبين لك أن (4) كلها أعراض. والعرض وإن كان في عرض فهما جميعا في موضوع. والموضوع بالحقيقة هو الذي يقيمهما جميعا ، وهو قائم بنفسه.

ثم قد جوز كثير ممن يدعى المعرفة أن يكون شيء من الأشياء جوهرا وعرضا معا بالقياس إلى شيئين ، وقال (5): إن الحرارة عرض في غير جسم النار ، لكنها في جملة النار ليست بعرض ، لأنها موجودة فيها كجزء. وأيضا ليس يجوز رفعها عن النار والنار تبقى. فإذن وجودها في النار ليس وجود العرض فيها ، فإذا لم يكن وجودها فيها وجود العرض ، فوجودها فيها وجود الجوهر.

وهذا غلط ، كبير (6) قد أشبعنا القول فيه في أوائل المنطق ، وإن لم يكن ذلك موضعه ، فإنهم إنما خلطوا فيه هناك.

فنقول : قد علم مما سلف إن بين المحل والموضوع فرقا ، وأن الموضوع يعنى به ما صار بنفسه ونوعيته قائما ثم صار سببا لأن يقوم به شيء فيه ليس كجزء منه ، وأن المحل كل شيء يحله شيء فيصير بذلك الشيء بحال ما ، فلا يبعد أن يكون شيء موجودا في المحل (7)، ويكون ذلك المحل لم يصر نفسه (8) نوعا قائما كاملا بالفعل ، بل إنما تحصل

Shafi 61