[14] ونجد الأبعاد التي يصح أن يدرك منها البصر المبصرات تكون بحسب الأضواء التي في المبصرات، وما كان من المبصرات أشد إضاءة فقد يدركه البصر من بعد قد تخفى من مثله المبصرات المساوية لذلك المبصر في العظم إذا كانت الأضواء التي فيها أضعف من الضوء الذي في ذلك المبصر. وذلك أنه إذا كان في موضع من المواضع نار مشتعلة، وكان حواليها أشخاص وأجسام مساو كل واحد منها لجملة النار في العظم أو ليست متفاوتة العظم، وأشرق عليها ضوء تلك النار، ثم قصد تلك النار قاصد من بعد شديد في سواد الليل، فإن ذلك القاصد يرى النار قبل أن يرى شيئا ما حواليها من الأشخاص والأجسام التي هي مساوية لها في العظم وأعظم منها ومضيئة بضوء تلك النار. ثم إذا قرب ذلك الإنسان من النار ظهرت له الأشخاص التي حول النار وها قرب منها، ويظهرما كان من تلك الأشخاص قريبا من النار والضوء الذي عليه قوي قبل أن يظهر ما كان بعيدا من النار والضوء الذي عليه ضعيف، ثم إذا وصل إليها ظهر له جميع ما حول النار وبالقرب منها من المبصرات. وكذلك إذا اعتبرت المبصرات المتباعدة في ضوء النهار يوجد الذي عليه ضوء الشمس والأضواء القوية تظهر من الأبعاد التي تخفى منها المبصرات المساوية لها في العظم وفي اللون التي تكون في الظل والأضواء التي عليها ضعيفة.
[15] فيلزم من ذلك أن تكون الأبعاد التي منها يصح أن يدرك البصر المبصرات، والأبعاد التي تخفى منها المبصرات، إنما تكون بحسب الأضواء التي في المبصرات.
[16] ونجد أيضا الأجسام الساطعة البياض والمشرقة الألوان قد تظهر من الأبعاد التي قد تخفى من مثلها الأجسام الكدرة والترابية والنكسفة مع تساويها في الحجم وفي الضوء وفي جميع الأحوال ما سوى اللون. وذلك أن السفن المقلعة في في البحر، إذا كانت على بعد شديد، فإن أقلاعها تظهر من البعد كالنجوم ذا كانت قلوعها بيضاء ويدرك البصر بياضها ولا يدرك مع ذلك السفن ولا شيثا مما فيها ما ليس بساطع البياض ما دامت على مسافة بعيدة، ثم إذا قربت من البصر ظهرت السفن وأدركها البصر وأدرك ما فيها بعد أن كان لا يحس بها وهو يحس بقلوعها فقط.
Shafi 68