والدليل على أنه عالم أنا وجدناه مصلحا حكيما، والحكمة لا تتم للجهال، وأيضا فإن الجاهل ممنوع من العلم، والله ليس له مانع، لئن الممنوع مصنوع، والله صانع، وإذا انتفى عنه أن يكون ممنوعا، أو يكون مدبرا مصنوعا، صح أنه لم يزل من الجهل ممتنعا، وإذا لم يزل بريا من الجهل والنقصان، فعلمه قديم بأبين البيان، وإذا كان علمه قديما أزليا، وكان من تأليف الغير إليه بريا، صح أن علمه هو ذاته، وكذلك قدرته وحياته، لأنه سبحانه لم يزل قادرا حيا، سمعيا بصيرا قويا، وسمعه وبصره فهما: علمه، وعلمه فهو: قدمه سبحانه، وقدمه وعلمه: حياته، وحياته: قدرته، وقدرته: ذاته، وذاته: حقيقته، وحقيقته: وحدانيته، وحقيقة كلمته التي هي من صفات الذات هي: علمه سبحانه بجميع المعلومات، وحقيقة حكمته عز وجل في صنعه لمحدثات هي: إتقانه لما صنع من المحكمات، التي لا تهيأ إلا بالحكمة الأزلية، والصفة السابقة الأولية، وحقيقة عدله: إحسانه، فمن وصفه بالإحسان فقد عدله، ومن نسب إليه القبيح فقد جوره.
وحقيقة رحمته لأوليائه: ثوابه، وحقيقة غضبة على أعدائه: عقابه، وحقيقة كرم ذاته: عظمته، وعظمته: قدرته، وحقيقة كرم فعله: نعمته، وحقيقة عدله في البلوى: تكليف ما يطاق، وحقيقة عدله في التكليف: إظهار الحسن من أفعال عباده، وإظهار الحسن: خير من تركه، وحقيقة عدله في الأمر: بإظهار الحسن، لأن إظهار الحسن عاقبة حسنة من ثوابه، وحقيقة عدله في خلق الكافر: أنه لم يخلق كفره، بل نهاه عنه وزجره، وأوعده على فعله وحذره، وحقيقة حكمته في خلقه لمن علم بمعصيته: أن خلقه لجسم العاصي وعقله، وحياته بعد موته وايجاده بعد عدمه حكمة جليلة، ونعمة عظيمة، وفعل النعمة والحكمة خير من تركها.
Shafi 113