قال الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم عليهما السلام: ثم نقول من بعد توحيد خالقنا، والقول بالحق في الله سيدنا: إن سأل سائل مسترشد، أو قال قائل متعنت ملحد، كيف السبيل إلى معرفة الله جل جلاله، وظهرت نعمه وأفضاله، وبما يعرف، وما معرفته؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أما السبيل إلى معرفة الله القدير، فالفعل المميز للأمور.
وأما قولك: بما يعرف؟
فليس يعرف إلا بما أظهر من صنعه وتدبيره، ومعجز فطرته وتقديره.
وأما قولك: وما معرفته؟
فمعرفته اليقين بإلاهيته، والإقرار والتصديق بربوبيته.
فإن سأل سائل عن معرفة الله سبحانه وظهر دليله وإيقانه، فقال: أمعرفة الله اضطرار أم اختيار؟
فالجواب له في ذلك: أن معرفته اختيار، ولو كانت معرفته ضرورة كمعرفة الأرض والسماء، وغيرهما من الأشياء، لما كان بين معرفة الجاهل والعالم فرق، ولكان الخلق كلهم بالله عارفين، ولما كانوا أبدا جاهلين، ولكانوا جميعا به موقنين، وعلى معرفته مجمعين، وهذا محال عند أهل العقول.
فأما من كان من الجهال، وأهل الحيرة والضلال، فلن يزال ذلك في الشك مترددا حايرا، وعن اليقين بالله نائيا جائرا، إذا رضي بتعطيل ما ركب الله من عقله، واستغنى عن المعرفة بجهله، وإنه وإن كان بالله جاهلا، وعن اليقين به غافلا، فليس بمعذور في ترك طلب الدليل، والنظر والبحث عن الخطب الجليل، فإن عطل ذلك لم يكن معذورا، وإن كان عن الله جائرا مغمورا، ألإن الله عز وجل قد جعل له عقلا وفكرا، وتمييزا وذكرا، واضطره إلى درك صنع عجيب، لا يخلو في الفعل من أحد أوجه، من عطلها لم يضطر إلى حقيقتها إذ جهلها، وسنذكر إن شاء الله ما يصح لذوي الألباب، ويستدل به على الله رب الأرباب، وذلك أنا نظرنا إلى أنفسنا، إذ هي أقرب الأشياء إلينا، فرأينا كل جارحة من جوارحنا قد جعلت لسبب ومعنى، ولا يجهل الشيء لصلاح الشيء إلا عالم حكيم بما صنع وبنى.
Shafi 99