Majmuc
مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني
Nau'ikan
وزعم قوم آخرون: أن الله خالف بين عقول العباد، ودل جميعهم على الرشاد، فذو العقل المنقوص يلحق بضعف علقه إذا سلم من الجنون، كمثل ما يلحق كامل العقل من الدين، كما أن أضعف الناس يلحق من الصلوات، وأداء جميع المفروضات، كالذي يلحق أقواهم جسدا، وأشدهم بدنا، وهذا قولهم واختلافهم.
والذي أقول أنا واعتقد، والله الموفق والمسدد: إن من عمل على قدر عقله، وسلم من مكابرته وجهله، فهو عند الله من الناجين، ولديه إن شاء الله من المقبولين، ومن كان ضعيف العقل، مغمورا بطباع الحيرة والجهل، فهو بمنزلة البهائم والأطفال، في رحمة الله الواحد المفضال. وأما من غمر عقله باللعب والإهمال، وشبه نفسه بالبهائم في الإغفال، فهو وليس - ولا كرامة - من المعذورين، ولكنه عند الله من الكافرين، ولو استعمل عقله حق الاستعمال، لنال به من الخير كل المنال، ولكنه أقبل على العبث والمحال، حتى ارتطم ووقع في الضلال، وصار من أجهل الجهال، فهذا ما اعتقد وأقول، وإليه أذهب وأميل.
وأما الاختلاف والتبغيض إلى العباد، وسوء الأدب والميل إلى الفساد، والمكابرة واللجاج في الإلداد، فليس ذلك من أخلاق الصالحين، ولا هو من أفعال المسلمين، ولا يجوز مقاطعة المؤمنين، إلا بكبيرة من كبائر المفسدين، إذا أقام عليها، ولم ينتقل بالتوبة عنها، وقد رأيت كثيرا من المؤمنين، وأولياء الله المتقين، يضلون عن السبب من أسباب الدين، فينبغي للمؤمن أن لا يقاطعهم حتى يبين لهم، ويرفق بهم ولا يعجل عليهم، فإن الله سبحانه لا يعذب وليه على السهو والنسيان، كما يعذب على العمد والبيان.
Shafi 265