وولاية:
فيا رسولي إلي مَنْ لا أبوحُ به ... إنَّ المهمَّاتِ فيها يُعرَف الرَّجلُ
بَلِّغْ سلامي وبَالغْ في الخطاب لهُ ... وقَبِّلِ الأرضَ عِّني عندما تصلُ
بالله عَرِّفْهُ عنِّي إنْ خلوتَ به ... ولا تُطِلْ فحبيبي عنده مَلَلُ
وتلك أعظمُ حاجاتي إليكَ فإنْ ... تنجحْ فما خابَ فيكَ القصدُ والأملُ
ولم أزلْ في أموري كُلَّما عرضتْ ... على اهتمامك - بعد الله - أتَّكِلُ
فالنَّاس بالنَّاس والدُّنيا مكُافأةٌ ... والخير يُذكَرُ والأخبارُ تنتْقِلُ
فتوجه صاحبي إلى المحبوب بالرسالة، وتركني في البستان على أسوء حالة، فمشيت في جوانب ذلك الروض الأريض، وأنا في الهم الطويل العريض، فما نظرت نرجسًا إلى وقلت هذا طرف الحبيب الناعس، ولا رأيت غصنًا إلا ذكرت قده المائد المائس، ولا وردًا إلا قطعت بأنه خده الناعم، ولا أقحوانًا إلا وتحققت بأنه ثغره (الأشنب) الباسم.
وبقيت أجول في تلك الرياض وأطلب الخلاص، وأنى لي بذلك ولات حين مناص، وألوم نفسي تارة وأعذرها أخرى، وأستنصر الصبر فلا أبصر له نصرًا.
وكلما ذكرت الحبيب ذبت (في) مكاني، وكلما عانيت مكانه تضاعفت أحزاني، وسال دمعي في تلك العراص والرحاب، وجاد بما لم يكن في حساب الحساب، فكففته تجلدًا فما كف، وسمته وقوفًا فوقع وما وقف، وأردت الإنكار فخالف واعترف، وتكرم وهو سائل حتى كأنه من لجة البحر اغترف:
1 / 46