وناحت فنحت بنواحها على الغصون، وأحزنتها بتصاعد الزفرات وفيض الشؤون، فصار بيني وبينها نسبة بالبكاء والأحزان، وود وإخاء، إذ كل منا يبكي على الأغصان:
رُبَّ ورقاَء هَتُوفٍ في الضُّحى ... ذات شَجْو صَدَحَتْ في فَنَن
ذكرتْ إلفًا ودهرًا ماضيًا ... فَبَكَتْ حُزْنًَا فَهَاجَتْ شجني
فَبُكَائي رُبَّما أرَّقَهَا ... وبكْاها ربُمَّا أرَّقني
ولقد تشكو فما أفهُمَها ... ولقد أشكو فما تفهمُني
غير أنَّي بالجَوَى أعرفُهَا ... وهي أيضًا بالجَوَى تعرفُني
أتراها بالبكاء مولعةٌ ... أم سقاها البينُ ما جرَّعَنِي
فجلسنا ننتظر الوعد من الحبيب، وقلبي قد تقطع من البكاء والنحيب، فقال لي صاحبي: أنا أتوجه إلى محبوبك لتقديم قصتك، وأجتهد في تفريج همك إن شاء الله وغصتك، وأستنجزه الوفاء بالميعاد، والله المستعان وعليه الاعتماد، وآتيك به أو بالجواب، وأفوز بالأخر في الجمع بين الأحباب.
فقلت: لمثل هذا اليوم ادخرتك صديقًا وصاحبًا وحميما، ولمثل هذا اليوم أعددتك شغوفا ظاعنًا ومقيمًا، فتوجه إليه، وبالغ في الخطاب، ولطف الألفاظ وسدد الجواب، وتوسل إلى المراد والمرام، فمثلك لا يدل إلاَّ على صواب، واستمنحه الوفاء، فهو غاية المقصود والأمل، وأوجز في المقال فحبيبي عنده ملل، وأنت - بحمد الله - ذو فطنة ورتبة ودراية، وصاحب توسل ودرية
1 / 45