الناعورة المذعورة الحائرة، وأنظر الماء فوق كتفها وهي عليه دائرة.
فعلمت أنها تئن من لوعة الفراق لما فقدت قرينها، فجعلت تعلل قلبها بلقائه، وتدير في الماء عيونها، كأنها تذكرت حالها وهي غصن يفهم التمايل ويدري، فغدت كلها عيونًا على عهد أيام الصبا تجري، فصارت تعد من العجائب، إذ تسير من غير مفارقة موضعها، إذ لا رأس في جسدها، وقلبها ظاهر وعيونها في أضلعها:
وناعورةٍ قد ضاعفت بنُواحها ... نُواحي وأجرت مُقلَتَيَّ دُمُوعَها
وقد ضعفتْ مَّما تئنُّ فقد غَدَتْ ... من الضَّعف والشَّكوى تَعُدُّ ضُلُوعها
والحمائم تبكي على موائس الأغصان في الرياض، وتذري دموع الخمول في تلك الخمائل والغياض، فقاسمتني الغضا قسمة شوهت خلقي وإنشائي، فجعلت غصونه في راحتيها وجمرة في قلبي وأحشائي:
أحمامَةَ الوادي بمُنعرج اللِّوى ... إنْ كنتِ مُسعدة الكئيب فرجِّعي
فلقد تقاسمنا الغَضَا فغُصُونه ... في راحَتْيكِ وجمره في أضلُعِي
وجعلت أخاطبها بلسان الشكوى والغرام، وأغامزها بعين البلوى والهيام، وهي تطارحني الأحزان والأشجان، وتأتي من الألحان بالفنون على الأفنان، فخاطبتها بلسان حالي الحالي، وأنشدتها بلسان مقالي أتعرض للقالي:
أحمامَةٌ فوقَ الأراكةِ بيِّني ... بحياة مَنْ أبكاكِ ما أبكاكِ؟
أما أنا فبكيتُ من ألم الجوى ... وفراق مَنْ أهوى فأنتِ كذاكِ
1 / 44