وإياك والإكثار من الإشارة أو الإتيان بحركات مستهجنة، وجانب النحنحة والسعال، وكل ما يدل على الضعف أو يسبب الملل، قال الشاعر:
أعوذ بالله من الإهمال
ومن كلال الضرب في المقال
ومن خطيب دائم السعال
الخطيب والممثل
1
إن بين الخطيب والممثل فرقا واضحا وبونا نازحا؛ ذلك لأن الأول يحتاج إلى علم وإلهام قد يمكن الثاني الاستغناء عنهما. حسب الممثل أن يدرك غرض المؤلف ليقوم بأداء الواجب عليه خير قيام دون أن يكون للوحي دخل يذكر في تمثيله. لا أعني أن الممثل يجب أن يكون خلوا من كل علم بل أريد أن لهذا العلم وهذا الإلهام عنده وجوها أخرى يصرفهما فيها، وهو على كل حال لا يرتبط بهما ارتباط الخطيب، ويرى القارئ في بعض هذا الفصل وما يليه مختصر ما وقفت عليه في كتاب الأستاذ كركو «فن الكلام في الجمهور» مما يتعلق بهذا الموضوع.
نعم من الممثلين مثل شكسبير ومولير قديما وساشا كتري لعهدنا الحاضر من جمع بين الحالتين، وكان العلم والوحي خير مرشد لهم فخلفوا أدوارهم على القرطاس والملعب معا، مثل هؤلاء يبزون سواهم ويخلعون على نهجهم في التمثيل مسحة خاصة لا تجدها في الآخرين إلا أنهم قلائل لا يتجاوزون عدد الأنامل.
والغالب أن يكون الممثل كسائر الناس ثقافة، ولكنه يستطيع أن يدخل في إهاب الذات الخيالية التي أوجدها المؤلف ويمتزج بها امتزاجا سويا، بل ترى بعض الممثلين دون سائر الناس في الإحساس والشعور وهم على الرغم من ذلك يجيدون تمثيل العواطف والأهواء الغريبة عنهم، وكم من النساء من هن في حياتهن البيتية والاجتماعية أبعد خلق الله عن التأثر وعن كل فكرة للحب والتضحية، وتراهن على الملعب يقمن بتمثيل أدوار الحب والتضحية أحسن تمثيل.
هذا التناقض لا تجده في الخطيب فإن جهد الممثل - كما بينا - هو أن يصور ما يريد المؤلف دون زيادة ولا نقصان، والبارع من وصل في التصوير إلى أبعد غاية، وأما الخطيب فهو لا ينفك عن التوليد حتى في أثناء الكلام، وله مطلق التصرف في القلب والإبدال والإيجاز والإطناب حسب الأحوال.
Shafi da ba'a sani ba