إلى العقلاء نسوق الحديث
وقع المال في يده فجن به الجنون، بدلا من أن ينفقه على تعليم دولته وتحضيرها راح يقذف بالأموال على قلب أنظمة الحكم وقتل الأبرياء، صارخا في نفس الوقت إنه مؤمن بالدين الإسلامي الذي يقضي بأن من يقتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا، ولا عجب، فهكذا يكون مخلوط العقل، ومع المجانين يتعذر الكلام العاقل، فنحن لا نستطيع أن نقول لهذا القذافي الأحمق إن مصر وأبناءها لن تهزهم ألعاب الصغار التي يقوم بها هو وأعوانه، ولا نستطيع أن نقول له إن كنت مغيظا من مصر والقائمين على أمرها، فما ذنب هؤلاء الأطفال والنساء يركبون قطارا إلى الصعيد مسلمين أنفسهم إلى يد الله فتتولاهم يدك أنت ويد أعوانك بالقتل والفتك والإصابة؟ ولا نستطيع أن نسأله أي فائدة يمكن أن تعود عليك من إصابة الأبرياء وقتل من لا شأن لك به، ومن لم يبد رأيا فيك، ولا نستطيع أن نقول له إلا أن مصر رميت بأبشع منك إجراما وشهدت من المصائب عبر تاريخها الطويل ما جعلها تثبت عند الشدة وتعلو على المحنة وترتفع على الضائقة.
فما ذلت ولن تذل ... وما هانت ولن تهون، وما مثلك من يجعلها تحيد عن أخلاق لها قديمة قدم الدهر، عالية حتى عنان السماء، أصيلة أصالة الحضارة في هذا العالم.
ولعل متعجبا يسأل: فيم حديثك إلى مجنون وما منطقك مع مخبول، ولكن هذا المجنون المخبول وجد أحيانا عقلاء يدافعون عنه ويركبون حصانه الأحمق، فلعلنا إلى هؤلاء المتعاقلين نسوق الحديث.
فإن كانت في نفوسهم المنهارة بقية من حب الكنانة أو أثارة من وطنية مصرية، فليكتبوا رأيهم وليظهروا الناس على ما يرون في قاتل يتخفى في قطار لركاب أبرياء، فيصيب المقتل من بعض، ويصيب بغير قتل بعضا آخرين.
وما رأيه في هذا القاتل نفسه فيما يقصد إلى مجمع حكومي يسعى إليه الناس يحملون على أكتافهم آلام حياتهم، وقلق ذي الحاجة، وترقب المتطلع إلى مطلب، بدلا من أن تطالعه حاجته وقد قضيت، أو رغبته وقد تحققت، أو آلامه وقد زالت، يطالعه الموت الآخر بيد القذافي، مستخدما فيه أحدث آلات الدمار اشتراها بأموال دولة عربية، أشد ما تكون لها حاجة إلى هذا المال لتشييد ما هدمه منها الاستعمار، وتعوض ما فوته عليها التخلف، وتسير طريقا طويلا إلى الحضارة بعد أن انقطعت عنها عهدا عهيدا وسنين عددا، ألا كلمة أيها المتعاقلون الذين حملتم لواء القذافي فإليكم وحدكم نسوق الحديث ...
خطاب هام
جاءني هذا الخطاب في البريد وإني سأثبته، ولم أعلق عليه، فالكاتب يعرف ما يقول، وأنا لا تعليق لي عليه إلا أنني أرجو أن يقع حديثه حيث يجب أن يقع من المسئولين. «بحكم علاقة الدرس والتدريس التي تربطني بالسادة أئمة المساجد، سعدت كل السعادة بكلمتكم بعنوان «القرية وخطبة الجمعة» في باب «من مفكرة ...»»
ذلك أنني كنت أشعر بشعور الأسى الذي يملأ حلوق السادة أئمة المساجد، وأنا أتولى تدريس «علم اجتماع الدعوة الدينية» لهم، وأطلب من كل منهم الاطلاع، ليس على المؤلفات الدينية فحسب، وإنما على المؤلفات الاجتماعية والنفسية والسياسية وغيرها؛ ليكون من الناحية الفكرية على مستوى الأحداث المعاصرة والماضية، وليكون في موقف القادر على التنبؤ بالغد في كل ما يتعلق بمكونات المجتمع وأحواله، وحتى تكون خطبة ودرس مشبعة للمصلين والسامعين في مسجده، وفي أي مكان آخر غير أن الرد الذي كنت أسمعه منهم هو: من أين؟ والمرتبات محدودة، وميزانية المساجد ليس فيها بند لتزويد مكتبات المساجد بمثل تلك المؤلفات، ولم أكن - برغم قدرتي - أستطيع الرد ... ولكن وقد فجرتم سيادتكم تلك القضية، لا أجد مناصا من الرد وأمري إلى الله في النتائج الوخيمة التي ستعود علي، وهذا الرد هو أن لدينا جهازا يدعى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وهذا الجهاز يتولى طبع مؤلفات «بعضهم» وبجوارها يتولى إعادة طبع بعض المؤلفات القيمة، مثل التفسير والتشريع والسيرة ... إلخ، وهذه المؤلفات تصرف بالثمن لمن هم أحق بها وأكثر استثمارا لها واستفادة بها، مثل أساتذة الجامعات وأئمة المساجد والباحثين، وتعطى بالمجان للطلاب المبعوثين من غير المصريين في الأزهر ممن لا يتقنون اللغة العربية، وبالرغم من أن ثمن الكتاب الواحد يزيد في بعض الأحيان على خمسة جنيهات، فإن هؤلاء المبعوثين يبيعون هذه المؤلفات القيمة التي تصرف لهم بالمجان، يبيعونها على سور الأزبكية بقروش لكي نشتريها نحن بنصف أو بثلاثة أرباع ثمنها باعتبارها قديمة، وبالرغم من أنها جديدة، وبجوار المبعوثين هناك إحدى الدوائر الانتخابية في مصر، تلك التي تشحن إليها - على حساب الجهاز - أطنان من هذه المؤلفات ومن المصاحف لكي توزع بالمجان على أبناء تلك الدائرة و90٪ منهم من الأميين، ولكنها الدعاية الانتخابية لأحد كبار المسئولين في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية على حساب الدولة.
ترى فيم كان إنشاء هذا الجهاز؟ وما هي وظيفته بجوار مجمع البحوث الإسلامية الذي يتألف من خيرة علماء الأزهر الشريف؟ ولماذا هو مثل نبات القرع الذي «يمد لبره»؟ وإلى متى يترك السادة أئمة المساجد دون أن يزودوا بالمؤلفات الدينية التي تساعدهم على أداء واجبات وظائفهم على أكمل وجه؟ ولماذا لا تتولى وزارة الأوقاف تعيين أئمة جدد من خريجي كلية أصول الدين لسائر المساجد التابعة لها، وكذلك المساجد الأهلية بدلا من تركها للأئمة المتطوعين، وكلهم - في الغالب - مثل الإمام الذي أشرت إليه في كلمتكم. وأنا هنا لا أعيب على مثل هذا الإمام، فهو أفضل من غيره، ففي قريتنا كثيرون من خريجي الأزهر، ومع ذلك يتركون المنبر يوم الجمعة لغير المتخرجين في الجامعة الأزهرية أو حتى في المعاهد الثانوية أو الإعدادية الأزهرية.
Shafi da ba'a sani ba