إذا أشرق الشعاع وضحكت الكلمات
قطعة الأرض هذه ...
بورك هذا المعول
سقوط الفعل الماضي
شوقي في ذكراه
من أمريكا تحيا مصر
ماذا عن ... المنابر؟ وماذا عن ... الأحزاب؟
لا حياة لأدب بغير تراث
الحصان الذي نفق
لا مسئولية بغير مساءلة
Shafi da ba'a sani ba
الديمقراطية هي الممارسة
أخبار ... وتعليق
سقط الصنم ... ولم تسقط القاعدة ... وفي أي شيء صدق؟!
مصر هذه ... هي التي ستبقى
أنا أكتب
لا حقد اليوم
إن الكرام بحفظ العهد تمتحن
نحن أقوى من الحياة
العدالة والقانون ... وحرية الكاتب
كن مصريا واعتنق ما شئت
Shafi da ba'a sani ba
الليل ومحطة القذافي
التعليم مسئولية الدولة والثقافة مسئولية الفرد
الصوت المرتفع والتليفون والفن
لم يتسع الوقت
حديث إلى مولانا الإمام الأكبر
القصة واللغة
حيرة مع مليم ناقص
مصطفى محمود (بين الدين والعلم)
القرية بين الحضارة والأصالة
في آفاق الأدب الإنساني
Shafi da ba'a sani ba
اثنين فلاج ... وهات مليم
حواديت وملحوظة
الأدب في عصر العلوم
كتاب ... يكرهون الحب
القانون هو الحياة والحرية
مقهى في عرض البحر الأبيض المتوسط
ويل للتاريخ من هؤلاء المؤرخين
عندما يلوي الناقد لسانه
عاشق الليل (الأدب الحديث والتراث)
لبنان ... دولة تنتحر!
Shafi da ba'a sani ba
الأدب والسياسة
فرصة كافية للقدر
ضمير القلم
إنها باقية مع الخلود
شعر المناسبات
اشتراكية التمليك لا التجريد
اللغة والثقافة
شيئا لله يا رئيسة الديوان!
خطاب إلى وزير التعليم
شريعة الحضارة هي شريعة الغاب
Shafi da ba'a sani ba
إذا أشرق الشعاع وضحكت الكلمات
قطعة الأرض هذه ...
بورك هذا المعول
سقوط الفعل الماضي
شوقي في ذكراه
من أمريكا تحيا مصر
ماذا عن ... المنابر؟ وماذا عن ... الأحزاب؟
لا حياة لأدب بغير تراث
الحصان الذي نفق
لا مسئولية بغير مساءلة
Shafi da ba'a sani ba
الديمقراطية هي الممارسة
أخبار ... وتعليق
سقط الصنم ... ولم تسقط القاعدة ... وفي أي شيء صدق؟!
مصر هذه ... هي التي ستبقى
أنا أكتب
لا حقد اليوم
إن الكرام بحفظ العهد تمتحن
نحن أقوى من الحياة
العدالة والقانون ... وحرية الكاتب
كن مصريا واعتنق ما شئت
Shafi da ba'a sani ba
الليل ومحطة القذافي
التعليم مسئولية الدولة والثقافة مسئولية الفرد
الصوت المرتفع والتليفون والفن
لم يتسع الوقت
حديث إلى مولانا الإمام الأكبر
القصة واللغة
حيرة مع مليم ناقص
مصطفى محمود (بين الدين والعلم)
القرية بين الحضارة والأصالة
في آفاق الأدب الإنساني
Shafi da ba'a sani ba
اثنين فلاج ... وهات مليم
حواديت وملحوظة
الأدب في عصر العلوم
كتاب ... يكرهون الحب
القانون هو الحياة والحرية
مقهى في عرض البحر الأبيض المتوسط
ويل للتاريخ من هؤلاء المؤرخين
عندما يلوي الناقد لسانه
عاشق الليل (الأدب الحديث والتراث)
لبنان ... دولة تنتحر!
Shafi da ba'a sani ba
الأدب والسياسة
فرصة كافية للقدر
ضمير القلم
إنها باقية مع الخلود
شعر المناسبات
اشتراكية التمليك لا التجريد
اللغة والثقافة
شيئا لله يا رئيسة الديوان!
خطاب إلى وزير التعليم
شريعة الحضارة هي شريعة الغاب
Shafi da ba'a sani ba
خواطر ثروت أباظة
خواطر ثروت أباظة
تأليف
ثروت أباظة
إذا أشرق الشعاع وضحكت الكلمات
مجلة الإذاعة والتليفزيون
عدد: 2114
سبتمبر: 1975
حين يأتي على الناس زمان يصبح الحديث فيه صراحة أو همسا، ينزوي الإنسان في داخل الإنسان، وتسقط القيم وتنهدم الكرامة وتصبح الحياة صورة ممسوخة مشوهة، غير خليقة بأن تعاش ولا خليقة بأن تدوم.
ذلك أن الصراخ لغة الحناجر، والحناجر لا عمل لها، والهمس لغة الخوف، والخوف لا ضمير له، وإذا انعدم العقل وامحى الضمير سقطت الحياة.
Shafi da ba'a sani ba
وقد عشنا هذه الفترة، وأبينا فيها أن نصرخ؛ لأن الصارخين آنذاك كانوا أدوات لتكبير الأصوات، وكانت الأصوات جميعها تنبعث عن مصدر واحد.
وعشنا هذه الفترة، وأبينا أن نهمس؛ لأن ضمائرنا أبت علينا أن تكون همسا ولنا أقلام، وإذا كرم الله القلم فأقسم به، فعار على الإنسان أن يمتهن هذا القلم الذي وهبه الله له، فبالكلمة عاشت الأديان جميعا!
اختارها الله لتكون معجزة معجزاته على الأرض ... فحين اختفت شمس موسى وعصاه، وحين ماتت طيور عيسى ومرضاه، وبقيت كلمة الله خالدة على وجه الزمان تثبت دعائم الأديان جميعا، فتشرق شمس موسى وتسعى عصاه، وتعيش طيور عيسى ويحيا مرضاه، فحامل الكلمة هو شرف الحياة وهو وجودها، وهو قيمتها، شاهد عصره، ونبض قومه، وآهة المظلوم فيهم المهان، وعضة الجوع عند فقيرهم والمعدم، وموقظ الضمير عند غنيهم ذي الكظة القاسي، وصاحب الكلمة هو وحده من يستطيع أن يقول للطاغوت جاوزت المدى والحدود ، فمهلا أو تحيط بك عدالة السماء ينزلها عليك أبناء الأرض.
وقلنا، وكانت كلماتنا تتخفى في السرد الروائي والقصص، وكان الشعب العربي ينفذ إلى ما وراء الخفاء فيقتنص المحجب من وراء ستار ويذيعه، ويسمع الحاكم الطاغوت ويقف حائرا بين أن ينزل عقابه وهو سفاح، وأن يكتم غيظه فلا يذيع ما استتر، ولا يشتهر ما استسر، ولا تصبح الكلمة التي يحررها الناس واضحة شهيرة.
وتمر بنا الأيام كالحة السواد، لا هي تقتل فتريح، ولا هي تشرق فنعيش، ولكن الحيرة لم تطل بالطاغوت، فإن كان من حسن الرأي ألا ينزل علينا عقابه الشهير، فلا بأس أن ينزل علينا عقابه المتخفي وراء النذالة والجبن، ويمر عشرون عاما ونيف على صاحب هذا القلم بغير مكان ثابت في مجلة أو جريدة مصرية، ويأبى صاحب هذا القلم أن ينسب لغير مصر، فمن أجلها قال كلمته، ومن أجلها يعيش، إذا كان لعيشه معنى، ومن أجلها يموت، إذا كان موته يحمي هباءة هائمة بين سمائها وأرضها.
حتى إذا أذن الله لمصر أن يعود إليها شعاع من النور، توقف الصراخ وانقطع الهمس وصار الحديث كلاما يقوله عقل لعقل، وقلب لقلب، وضمير لضمير، عادت العقول والقلوب والضمائر إلى الحياة في دفء الشعاع العائد، وأزال الكلام عنه حجابه وظهر للناس واضحا كالعمل الطيب، وقلنا ... ولكن الذي سمع منا كان إنسانا، ولم يكن سرطانا بشريا غير جدير بأن يسمى.
وأحس الإنسان أن ما يسمعه إنما يقال من أجل مصر، ومصر عند هذا الإنسان هي حياته وروحه، وهب لها نفسه عند حرب، ووهب لها نفسه عند سلم، واثقا أنه إذا عاشت مصر عاش العرب جميعا.
ولأنه إنسان عرف مصادر الحديث واتجاهه ومنحاه، ولأنه عرف هذا وجد صاحب هذا القلم مكانا ثابتا يخاطبك منه، مطمئنا إلى غده، ناظرا إلى أمسه، قرير الخلجات، مطمئن الجوانح.
قطعة الأرض هذه ...
مجلة الإذاعة والتليفزيون
Shafi da ba'a sani ba
العدد: 2116
أكتوبر: 1975
يقولون إننا بعنا مبادئنا في سبيل قطعة أرض، والبيع في سبيل المبدأ تعارف الناس أن يكون عملية يعود نفعها على شخص بذاته، هانت عليه مبادئه فباعها ليكسب كسبا خاصا، فقولهم هذا يثير الإضحاك بقدر ما يثير الإشفاق، فهل أنور السادات اقتنى في عملية فك الاشتباك الثاني بضعة أفدنة يعود ريعها عليه؟
ما هي مبادئنا؟ إنها تحرير الأرض، وما هي مبادئ المقاومة؟ إنها تحرير الأرض، أما مبادئ سوريا فهي الهتاف لحزب البعث، وبقاؤه في الحكم، وليكن بعد ذلك ما يكون.
أما نحن قد قدر لنا أن تكون هذه مبادئنا لعدة فترات من التاريخ، وكان آخرها تحرير أرضنا من الإنجليز، ولم نصل إلى ذلك إلا حين سقطت الإمبراطورية البريطانية جميعا وسقطت شمسها التي كانت لا تغيب عن أملاكها، وبعد ذلك، وقبل ذلك، كانت مبادئنا تحرير الأرض الفلسطينية من العدوان الصهيوني، وبذلنا في سبيل ذلك دماء شهدائنا في عامي 48، و56 مجللة بالمال المعتصر من قلوب أبناء مصر، وبذلنا في سبيل ذلك دماء شهدائنا في عام 67، وخضب هذا المال نفسه وقد زاد عليه خزي الهزيمة وانكسار العزة وهوان الكرامة.
ثم انتصرنا واجتحنا برليف وأسطورة إسرائيل التي لا تهزم، وقدمنا الدم الغالي والمال، ولكننا سعدنا بالدم والمال جميعا أن أعاد للعرب جميعا عزتهم وكرامتهم، ومنحهم فوق ذلك أموالا من البترول ما كانوا ليحلموا بها في يوم من الأيام، وآن لنا أن نحقق شيئا من مبادئنا فنسترد جزءا من أرضنا، فاسترداد جزء من أرضنا هو في ذاته تحقيق بعض من مبادئنا.
ذلك أننا لم نجعل من مبادئنا تجارة، ولا جعلنا من أنفسنا في عهد السادات قراصنة نهدد الدول العربية لننال من أموالها ما لا يطيب لها أن تعطيه.
لقد كنا على بينة دائما بالدور الذي قدر لمصر أن تقوم به لتدفع ضريبة مكانتها الضخمة بين الدول العربية.
فأي مبادئ بعنا، وماذا كسبنا في سبيل ما بعنا إلا أن نسترد جزءا من أراضينا ومواقعنا الحربية وأموالنا التي اغتصبت في سبيل قضية فلسطين.
وبعد فيا ترى هل أحسن الناعقون بالخزي حين كشفت المواد السرية من الاتفاقية، واستبان أمرها عن تعهدات مبذولة جميعها من أمريكا لمصلحة سوريا والفلسطينيين؟
Shafi da ba'a sani ba
ولكن ما هذا السؤال ؟ أمثل هؤلاء يخجلون؟
وهل أدل على ذلك من قول راديو دمشق أننا لا نعتمد على ضمانات أمريكا أو الرئيس فورد لنا والرئيس السادات؛ لأن ضماننا الوحيد هو قوتنا الذاتية.
أهؤلاء يخجلون؟ إذن فلا بد لنا أن نذكرهم أننا رأينا قوتهم الذاتية ونعرفها حق المعرفة، فبهذه القوة الذاتية فقدوا الجولان في عام 1967.
وفي حرب الانتصار 73 أوشكت قوتهم الذاتية أن تستقبل الجيوش الصهيونية في دمشق.
ترى ألا يعرف الشعب السوري هذه الحقيقة كما تعرفها جميع الشعوب العربية؟ فأي قوة ذاتية يتحدثون عنها؟ اللهم إلا أن تكون قوة الحناجر المشقوقة والصراخ المجنون والوجه الجامد الذي لا يدركه الحياء.
بورك هذا المعول
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: 2117
11 أكتوبر 1975
أيدري المعول الذي أهوى على سجن طرة ماذا حطم؟ إنه لم يحطم جدارا من الطوب وإنما جدارا من الخوف، ولم يكن هذا الجدار يحيط بنزلاء السجن وحدهم، وإنما كان في قوة سحرية شرسة عاتية، يحيط بنفوس المصريين جميعا، فيحيل حياتهم فزعا ونومهم أرقا ويومهم بؤسا وغدهم هلعا.
Shafi da ba'a sani ba
وبنفس السحر الأسود كان يحيط بنفوس الأبناء والإخوة وذوي الرحم، فيحيل الصلات بين بعضهم وبعض توجسا وتخوفا، ويحيل الحب المشرق إلى خيانة، والود الذي تباركه السماء إلى البغض الذي يدنسه المال أو الرعب من السلطان.
هذا المعول الذي سقط على السجن هو نفس المعول الذي حطم بارليف؛ لأنه بيد الإيمان بالحق يهوي، وهو نفسه الذي صعق أذيال السخيمة السوداء من الحقد في منتصف مايو، وهو الذي محق حكم الهوى ليقيم حكم القانون، ودحض دعوى الباطل ليرفع شعار الإيمان بالله تقدست أسماؤه، والأنبياء صلى الله عليهم أجمعين.
وبهذا المعول منذ أشرق شعاعه في آفاق سمائنا أشرقت منا الروح، وتحررت النفوس من كبول الهلع، وارتفعت «الله أكبر» تملأ حولنا العالمين، وانتمينا إلى أغلى وأسمى ما يمكن أن ننتمي إليه ... مصر! عائدين إليها بعد أن غابت عنا وغبنا عهدا عهيدا وزمنا بعيدا، فكانت من غيرنا حائرة في دنيا الدول، وكنا من غيرها حيارى في دنيا الناس، حتى هدى الله الحيرة وانتمت إلى أبنائها وانتمى إليها أبناؤها، فبوركت أيها المعول.
سقوط الفعل الماضي
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: 2118
18 أكتوبر 1975
في اللغة العربية فعل يسمى الفعل الماضي، يطلق على ما تم فعلا من أحداث، فيقال قرأت الدرس، أي إن فعل القراءة تم فعلا ونفذ، وأصبح من الأحداث التي مضى عليها الزمن، واتخذ موقعه من التاريخ.
والملاحظ أن هذا الفعل اندثر تماما من بيانات الوزراء، بل وكاد يندثر معه الفعل المضارع أيضا، فأنت لا تقرأ بيانا يقول تم، وهو فعل ماض، أو يتم، وهو فعل مضارع، إنما الفعل صاحب الحظوة الذي لا يخلو منه حديث لوزير أو بيان لمسئول، هو الفعل الذي يدل على الاستقبال، أي إن العمل سيتم في يوم من الأيام التي لم تطلع شمسها بعد، والتي لا يعرف أحد متى تطلع، وهذا الفعل كريه للشعب، لا يحبه ولا يشتهي أن يسمعه؛ لأن فيه معنى الوعد، ومصر وشعبها عاشت على الوعود الزائفة أجيالا طويلة، حتى أصبحت تكره الوعود وتكره تبعا لها فعل المستقبل، فقد وعدها الإنجليز وأخلفوا لها الوعد سنوات طويلة من عمرها، ووعدها كل رئيس وزراء، ووعدها كل مسئول، فكرهت مصر الوعد!
أثار في نفسي هذا الحديث وعد أخير طال به الأمد، وهو وعد هين التنفيذ ميسور التحقيق، ولكن حب فعل الاستقبال وكره الفعل الماضي، حال (فعل ماض) ويحول (فعل مضارع) دون تنفيذه، يتصل هذا الوعد بشأن التليفونات عندنا؛ لأنهم يستطيعون بقوة سحرية خارقة - كالعادة - أن يجعلوا هذه التليفونات تنطق من حين إلى حين، وفي اعتقادي أنه لو اجتمع الشياطين ومجامع السحرة لعجزوا عن تحقيق هذه المعجزة، فإن القائمين بشأن التليفونات يعملون بأدوات يجب أن تعدم منذ سنوات طويلة، فلو أن هذه الأدوات ذهبت إلى بلد حديث لراح أهل العلم فيها يدورون حولها كأعجوبة من عجائب التاريخ، ومع ذلك فهي تعمل عندنا، وقد أخبرني المهندس مقبل البدراوي أنه يحتاج إلى خمسين مليون جنيه، وهي في عرف الدول ليست مبلغا مهولا مخيفا، والتليفونات ليست شيئا تعود فائدته على أبناء مصر، فقد تعود أبناء مصر أن يصبروا أنفسهم على الشدائد، ولكن المهم الآن هو هذا الانفتاح الذي يقع بأجمعه في أفعال استقبال لا نهاية لها، لا يعقل أن يأتي راغب في الانفتاح ويرفع السماعة ويجلس بجانبها ساعات حتى يصيبها الور، فالوقت عند هؤلاء ليس سلعة ملقاة على الطريق، إنه يعني مالا، والمال عندهم كميات ضخمة، ليسوا على استعداد أن يضحوا بها في سبيل ور التليفون المصري.
Shafi da ba'a sani ba
ترى هل أسمح لأمل هزيل أن يداعب نفسي، فيعلن وزير المالية أو وزير الخزانة بيانا مصدرا بفعل (ماض): تسلمت مصلحة التليفونات مبلغ خمسين مليون جنيه لإحياء آلة قديمة عندنا كانت فيما مضى تصل الناس بعضهم ببعض، وأصبحت اليوم آنية لا تصلح حتى للزهور؟!
شوقي في ذكراه
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: 2119
25 أكتوبر 1975
إن ذكرى شوقي هي كل يوم من أيام مصر، ومن أيام العرب جميعا، فهو أعظم شاعر أنجبته العربية، وقد أحس هو بمكانته قدر ما عرف العرب هذه المكانة.
وحولي فتية غر صباح
لهم في الفضل غايات وسبق
على لهواتهم شعراء لسن
وفي أعطافهم خطباء شدق
Shafi da ba'a sani ba
رواة قصائدي فاعجب لشعر
بكل محلة يرويه خلق
وتجد إحساسه هذا حين يقول في حفل تنصيبه أميرا للشعراء:
رب جار تلفتت مصر توليه
سؤال الكريم عن جيرانه
بعثتني معزيا بمآقي
وطني أو مهنئا بلسانه
كان شعري الغناء في فرح الشر
ق وكان العزاء في أحزانه
وهكذا لم تغب عن شوقي المكانة التي تصدرها في العالم العربي، بل هي في الواقع المكانة التي تصدرها الأدب المصري عامة في الأدب العربي، فطه حسين وهيكل والحكيم والعقاد والمازني وتيمور والزيات، وكل هذا الرعيل هو الذي أنشأ الأدب العربي، وعلى مشكاة هؤلاء وجد الأدب العربي طريقه في الحياة.
Shafi da ba'a sani ba
وقد أنشأ شوقي المسرحية الشعرية، ولم يطق أن يسير وراءه فيه إلا شاعر تتلمذ عليه وظل وفيا له إلى أن اختاره الله وهو المرحوم عزيز أباظة، ثم وقفت المسرحية الشعرية بالشعر الأصيل عن السير في الطريق، وراد الشرقاوي الطريق بعد العملاقين - شوقي وعزيز - بأعمال كثيرة، وصلاح عبد الصبور بأعمال قليلة ، ولكن كليهما صدف عن الشعر الأصيل إلى الشعر الحر، وربما كان مجال المسرحية والملحمة أصلح المجالات للشعر الحر، ولكنه مع ذلك لا يستطيع أن يسبق إلى الشعر الأصيل في قوة جرسه وإحكام قافيته وموسيقية الكلمة فيه.
وعلى أية حال، فإن مصر التي عدت عليها فترات سوداء من الأزمات المالية والاجتماعية والنفسية، ولم تنكص عن مكانتها الثقافية بفضل عماليق الأدب هؤلاء الذين اكتمل إشراقهم بشوقي، معجزة دهره ولغته، وإننا لا نملك إلا أن نرثيه بقوله هو:
وما هو ميت ولكنه
بشاشة دهر محاها الزمن
ومعنى خلا القول من لفظه
وحلم تطاير عنه الوسن
ولو أنصف الصحب يوم الوداع
دفنت كإسحق لما دفن
فغيبت في المسك لا في التراب
وأدرجت في الورد لا في الكفن
Shafi da ba'a sani ba
من أمريكا تحيا مصر
مجلة الإذاعة والتليفزيون
العدد: 2122
15 نوفمبر 1975
وصلت إلى أمريكا قبل أن يصل إليها الرئيس بيوم، فكان من الطبيعي أن أكلم ابنة عمي وزوجها الدكتور إبراهيم الترعي الطبيب المشهور، وكان قد ترك مصر في تلك الأوقات التي جعلت مثله يتركون مصر، تبادلنا التحية، وعرف الدكتور الترعي أنني لن أستطيع أن أذهب إليهم لبعدهم الشاسع عن المنطقة التي تدور الرحلة فيها، وقبل أن تنتهي المكالمة وجدت الدكتور إبراهيم يهتف «تحيا مصر»، ووجدت نفسي أهتف «تحيا مصر»، ومنذ هذه اللحظة وحتى الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، وأنا لا أتوقف عن الهتاف «تحيا مصر»، وقلتها وأنا أرى رئيس مصر يستقبله الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، ويستقبله معه الرسميون ووحدات رمزية من الجيش، وأهم من ذلك جميعا مجموعة كبيرة من الشعب الأمريكي، وقد خصص لها مكان في الاحتفال تلوح بالعلم المصري والعلم الأمريكي لرئيسنا.
وهتفت بها وأنا أرى الحفل الذي أعده الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، وقد وقف الرئيسان، مع كل منهما السيدة قرينته يستقبلون جميعا ضيوف الحفل.
وهتفت بها، وهتفت وأنا أرى الشعب الأمريكي جميعا ممثلا في نوابه وشيوخه يستقبلون الرئيس المصري، واقفين جميعا وقد أخذوا يصفقون له تصفيقا لا يريد أن ينتهي، حتى إن الرئيس السادات أخذ يشير لهم مرات أن يجلسوا وهم مستمرون في التصفيق.
ثم هم يقاطعونه مرتين بالتصفيق أثناء الخطبة، مرة حين قال إننا جئنا لا نريد مالا ولا سلاحا، وإنما نريد أن نوطد صداقتنا بالشعب الأمريكي، ومرة حين قال إننا نمثل حضارة تمتد سبعة آلاف سنة في أعماق التاريخ، حتى إذا انتهى الخطاب نزل الرئيس قاصدا باب الخروج يحف به التصفيق الحاد، والنواب على الجانبين يصافحونه على غير معرفة شخصية، ويصاحبه التصفيق حتى يخرج تماما من باب الكونجرس، وأهتف أنا، وأهتف: «تحيا مصر».
مصر التي ... بذلت دماءها ومالها من أجل العرب جميعا. ... مصر التي شمخت على الإذلال، وترفعت عن المهانة، وتكبرت على الجبروت! ... مصر التي أنارت العالم العربي جميعا بالفكر الأدبي والعلمي، وما زالت رفيعة المصابيح وضاءة الإشعاع.
مصر التي شاء الله أن يمتحنها بفترة قاسية من عمرها، فكتب عليها الهزيمة حين كانت تحارب في ظل قيادة لا تنير الطريق، حتى إذا تزعمها من يحبها ولا يحب نفسه، ومن يريد لها الرفعة ولا يريد لنفسه التأله، ومن يبث الإيمان في نفوس أبنائها المحاربين بالله وبها، لا بالشيطان ولا بنفسه، حاربت حربها المنتصرة وخاضتها ضارية؛ لأنها بها تريد السلام لنفسها وللبلاد العربية وللعالم.
Shafi da ba'a sani ba
وقد كانت الأيدي التي تصفق في أمريكا تصفق عن مشاعر عرفت السلام الذي تريده مصر، ورأته حين انتصرت مصر، فلم تتكبر لأن الكبار يكبرون ولا يتكبرون، وكانت الأيدي تصفق عن تقدير لرئيس مصر الذي يعمل في عظمة الواثق بنفسه، وبوطنه العريق، لا في جنون المتعاظم، ولا في تشدق هواة الخطب، ولا في عربدة المحاربين بالشعارات.
فئتان في أمريكا قتلهما الغيظ من نجاح زيارة الرئيس السادات هما: الصهيونيون والفلسطينيون، لقد اتفق الصهيوني والفلسطيني في الولايات المتحدة وفي إنجلترا على مهاجمة الرئيس السادات، حتى لقد وقفت جماعة من كل منهما أمام فندق كلاردج بلندن، حيث كان ينزل الرئيس، يهتفون بلسان واحد وبلغة واحدة، ولم يخجل الفلسطينيون!
إن كان الرئيس قد قبل أن يرضي الصهاينة فلماذا يهتف ضده الصهاينة؟!
وإن كان بتحركه هذا يغضبهم ، فلماذا يهتف ضده الفلسطينيون؟!
كيف يتفق السارق والمسروق، وكيف يهتف كلاهما بلسان واحد، وينبض قلب كل منهما بمشاعر واحدة؟!
أم ترى كلاهما سارق؟ إحدى الفئتين سرقت دولة، والفئة الأخرى تسرق أموال دول، والتقت المصالح المتضاربة، والتأم الشر والجشع، واتفق النهب وقطع الطريق، ونطق لسان واحد عن فئتين تدعي كل منهما للأخرى بغضا، وتعيش كل من الفئتين حياتها على حساب هذا البغض، فأما فئة الصهاينة فتدعي أمام أمريكا أن العرب يكرهونها، فهي تريد السلاح والمال لتدافع عن نفسها ضد العرب، وأما الفئة الأخرى فتدعي أن فئة الصهاينة لا تريد أن تعيدهم إلى وطنهم، فهم يريدون المال والسلاح ليقتحموا على الصهاينة الوطن السليب، ويصبح السلاح بعد ذلك سلاحا على العرب، ويذهب المال إلى متاجر الصهاينة في لندن ونيويورك! لا يهم، إنما المهم ألا تنتهي القضية إلى سلام، فإن قبل زعيم عربي حصيف سلاما فهم عليه حرب، وإن اتفقوا في ذلك مع الصهاينة؟! ... نعم وإن.
ولكن كبار الساسة في العالم يدركون، وتقف أمريكا كلها تحيي الرئيس، ونلتقي برجل الشارع في أمريكا فنجده متابعا زيارة السادات في حب وإعزاز، ويقول لي أحدهم (وكنت معه على عشاء): إننا نرى في وجه رئيسكم وجه رجل صادق، حتى ليخيل إلي أنني لو التقيت به وطلب إلي أن أفعل أي شيء لفعلته دون تردد.
ويسألنا سائق السيارة الأجرة عن الرئيس وعن زوجته، ويقول لنا آخر إنه سعيد أن الرئيس استقبل هذا الاستقبال من نواب أمريكا وشيوخها. ... وتنبح الكلاب في موكب السلام، ولكن صوتها مخنوق بالباطل الذي تدين به، وبالجشع الذي يتملكها، وتعلو الكلمة الحرة البعيدة عن الغرض، الرفيعة عن التملق، المتأبية عن السوقية.
وتحيا مصر.
ماذا عن ... المنابر؟ وماذا عن ...
Shafi da ba'a sani ba