قال له قائل: وما ذلك العلم؟
قال: علم البدء، وعلم الميثاق، وعلم المقادير، وعلم الحروف. فهو أصول الحكمة، وهي الحكمة العليا. وإنما يظهر هذا العلم عن كبراء الأولياء، ويقبله عنهم من له حظ من الولاية.
وأما شمائلهم: فالقصد، والهدي، والحياء، واستعمال الحق فيما دق وجل، وسخاوة النفس، واحتمال الأذى، والرحمة، والنصيحة، وسلامة الصدر، وحسن الخلق مع الله في تدبيره ومع الخلق في أخلاقهم.
قال له قائل: فهذا الذي يصفه بعض الناس، أن الولي لا يرى، وأنه في قباء الله تعالى، وأنه مبرقع في برقع الله تعالى، وأنه يأكل الحشيش، ولا يرى من أمر الدنيا إلا ما يستره، وأنه لا يكلم أحدا ويحسب في نفسه أنه شر على الخلق، ويمقت نفسه؟
قال: هذا قول رجل أحمق، يتوهم أشياء من تلقاء نفسه. لم يخطر بباله قط، شأن الولاية على وجهه. وهو قول رجل لم يشم من روح هذا الطريق؛ ومعه اشتغال بنفسه. وهو يحسب أنه قد بلغ المنتهى، عتاهة وبلاهة و(لا) يرى خدائع نفسه. فهو يرى نفسه (أن) شأن الولي لا يستقيم أمره حتى يهرب من الخلق، ويعتصم بالمفاوز، ويكون غامضا لا يعرف، ويجتزئ بالدون من المعاش. هذا رجل يبتغي الولاية من طريق الجهد، والصدق. ولا يعلم أن لله عز وجل، عبادا نالوا ولايته من طريق المنة!
و(قد) يقويه أيضا ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال، عن ربه عز وجل: ((أن أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه، وكان غامضا في الناس. عجلت له منيته، وقل تراثه، وقلت بواكيه فيقوى على ما توهم في نفسه من هذا الحديث. أفلا يرجع إلى عقله فيعلم أن أولياء الله بينهم تفاوت؟
Shafi 43