فإن الولي الذي يطلب غموضا في الناس، ويخفي شأنه إنما يفعل ذلك من أجل أنه لم يصل إلى الله، فتحرق أنوار الوصول شهوات نفسه. وهذا مكان الضعفاء. وحق للولي الضعيف أن يفعل ذلك ويكون على حذر من الأدناس. فإنه إن لم يفعل ذلك، لم يحل محل القدس. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: ((مؤمن قوي، ومؤمن ضعيف. والمؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف. وكلاهما يحبه الله، عز وجل)). وهذا هو الذي ذكرنا.
ولو كان كما وصف من شأن الولي، لكان له الفضل على الصديق والفاروق فنعوذ بالله أن يكون كما وصف من شأن الولي وصفة الأولياء. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الأولياء، وبعده الصديق، رضي الله تعالى عنه، وبعده الفاروق رضي الله عنه. فهل كان أحد منهم غامضا في الناس؟ وفيما حكى الله تعالى في تنزيله فقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} إلى آخر الآيات، وقال: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}. فمن سأل ربه، عز وجل، الإمامة للمتقين، هل يكون غامضا في الناس؟ أليس الله قد أثنى عليهم وقال: هم أصحاب الغرف في عليين، فقال: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} أي: على هذه الخصال، وعلى الكون بين يدي الله تعالى بقلوبهم، فلم تقدر النفس أن تأخذهم.
Shafi 44