وكان في علوم الشرع إمامًا، وفي علوم الحقيقة قدوة، وكان متواضعًا يخدم العميان والمساكين ليلًا ونهارًا، ويقضي حوائجهم، وحوائج الفقراء، والأرامل، ويجمع لهم من أموال الزكاة، ويفرقها عليهم، ولا يأخذ لنفسه من ذلك شيئًا، وكان يلبس الثياب الزرق، والجبب السود، ويتعمم بالقطن غير المقصور، وكان لا يترك قيام الليل صيفًا ولا شتاءً، وكان ينام بعد الوتر لحظة، ثم يقوم وينزل إلى الجامع، فيتوضأ ويصلي والباقي للفجر نحو سبعين درجة، ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو ربع القرآن سرًا، فإذا أذن الصبح قرأ جهرًا قراءة تأخذ بجوامع القلوب، فمر نصراني من مباشري القلعة يومًا في السحر، فسمع قراءته فرق قلبه وأسلم على يدي الشيخ وهو على كرسته، وحسن إسلامه، وصلى معه الفجر، وبقي يصلي خلفه إلى أن مات، وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من بولاق، ومن نواحي الجامع الإزهر في صلاة الصبح لحسن صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه حتى يبكي غالب الناس خلفه، وكان سيدي أبو العباس الغمري يقول عن جامعه: الجامع جثة، والشيخ أمين الدين روحها، وكان يقري ويضيف كل وارد، وكان يخدم نفسه، ويحمل الخبز على رأسه إلى الفرن، ويحمل حوائجه من السوق، ولا يمكن أحدًا من حمل ذلك، وكان مع هذا له هيبة عظيمة يكاد من يعرفه يرعد من هيبته، وكان قد انتهت إليه الرئاسة بمصر في علوم السنة بالكتب الستة وغيرها، وكان يقرأ الأربع عشرة رواية، ومناقبه كثيرة.
وله كرامات منها ما أحكاه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي - رحمه الله تعالى - أنه رآه مرة
أقسم على خشبة، فزحفت حتى وصلت إلى ركبتيه، ونقل ابن طولون عن الشيخ الفضل بن أبي اللطف أنه كان من أهل العلم. قال: وجرت له محنة في أيام السلطان قانصوه الغوري، وهي أن بعض التجار أودع عنده مالًا له صورة، وقال له: إذا بلغ ولدي بعد موتي، فادفعه إليه، فجاء الولد إليه، وهو دون البلوغ يطلب منه المال، فقال له: حتى تبلغ، فذهب إلى السلطان، فاشتكى عليه، فطلبه السلطان وطالبه بالوديعة، فأنكرها وحلف عليها، ثم لما بلغ الولد أقر بها، ودفعها إليه، فعلم السلطان بذلك، فطلبه فقال له: كيف تحلف ما عندك وديعة والآن قد أقررت بها؟ فقال له: إن فقهاء الشافعية كالنووي في الروضة قالوا: إن الظالم إذا طلب الوديعة من الوديع، وخاف منه عليها له أن ينكرها، ويحلف على ذلك وأنت ظالم، فرسم عليه السلطان، ثم شفع فيه، فأطلقه وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد إجازة إن لم يكن سماعًا أن والده شيخ الإسلام رضي الدين الجد نظم قصيدة في نحو مائة بيت في معنى سأله في نظمه تلميذه شيخ المسلمين أمين الدين ابن النجار صاحب الترجمة، فأجابه إلى سؤاله، وكتب إليه من القصيدة بهذه القطعة:
1 / 33