خبرنا عنك؛ لو سرت في قافلة من قوافل المسلمين، وأمرك فيهم نافذ، فوجدت في بعض الطريق قوما قد قطع بهم، وأخذ ما معهم، وتركوا مطرحين(1) جياعا عطاشا عراة، لا يطيقون مشيا، إن تركتهم ماتوا، وإن حملتهم نجوا، وإن أطعمتهم وسقيتهم حيوا؛ أليس كان الواجب عليك في حكم الله أن تأخذ لهم من أهل الرفقة قوتا يحييهم، وتلزمهم لهم المعاقبة على رواحلهم (2)، حتى يلحقوا بالقرى والمناهل، أولا تأخذ لهم منهم قوتا ولا ماء ولا مركبا، فيموتوا كلهم، ويهلكوا بأجمعهم؟
فإن قال قائل: بل أتركهم يموتون؛ فقد شرك في قتلهم، وقال بالمنكر من القول فيهم، الذي ينكره عليه الجهال، فضلا عن العلماء من الرجال. وإن قال: بل أحمل أهل القافلة على أن يواسوهم بما لا يضرهم في الطعام والشراب، والمعاقبة على الركاب؛ فقد قال بحق من المقال، وانتحل(3) صوابا من الفعال، وأدى حقوق الله وحقوق المسلمين، ونجا من قتل إخوانه أجمعين.
ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة: 32] فحكم الله علىكل مسلم بإزاحة الهلكة عن المسلمين بجهده وطاقته.
فكذلك يجب على الإمام أن يواسي بين المهاجرين والأنصار، وبين الرعية من أهل الدار، ولا يترك المهاجرين، المدافعين عن المستضعفين، الدائمين المقيمين لدعائم الدين؛ يهلكوا (4) جوعا بين أهل الأموال والجدة (5) من المسلمين.
ومن فعل ذلك كان على أحد وجهين:
إما افترق عنه المجاهدون إذا اشتد عليهم البلاء، ولم يجدوا قوتا لأنفسهم ممسكا.
Shafi 768