وأقر إخواننا علماء أهل زوارة أن التوحيد تجب معرفته ويجب العمل به قلنا وكذا سائر الفرائض يجب علمها والعمل بها وقالوا يجب عملها لا العلم بها وهذا من إخواننا سهو مع أن لهم حظ من العلم فإن للوسائل حكم المقاصد وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثله ولا قائل بغير الوجوب وإنما اختلفوا هل ما يتم الواجب إلا به واجب بلفظ نزل به الأمر به الصحيح أنه وجب بطريق اللزوم لا باللفظ الذي نزل به الإيجاب مثل قوله تعالى <<فاغسلوا وجوهكم وأيديكم >>إلخ, هل دخل فيه إيجاب الدلووا بحبل لفظا والتزاما الصحيح دخوله التزاما وأما عدم وجوبه فلا قائل به فإنه واجب العلم به كما وجب العمل به ولو كان معقول المعنى ليعلم المكلف أنه واجب فلا يتركه ويعلم أنه قد أدى الواجب كما لو نجست قدمه فطهرت بالمشي عليها فإنه يجزيه ولو لم يتعمد تطهيرها بالمشي ولو لم يعلم وجوب الطهارة فإذا قيل لك صل فهو أمر بالصلاة فقط لكن يؤخذ منه بطريق الإلتزام الأمر بالطهارة فسواء ما يتم الواجب به سبب أو شرط إذ لو لم يجب هذا اللازم الذي يتم الواجب به لزم أن لا يجب هذا الواجب وأن يجوز تركه هذا مذهب الجمهور وقيل لا يجب بوجوب الواجب سواء كان سببا أو شرطا لأن اللفظ الدال على الواجب ساكت عن هذا الذي يتم الواجب به فهذا الذي يتم الواجب به واجب في الجملة وفي نفس الأمر لا واجب بوجوب هذا الواجب قيل وإنما وجوبه من دليل آخر وهو ضعيف لن فيه إلغاء اعتبار اللازم وذلك كإنكار العيان وقيل يجب ما يتم به الواجب بهذا واجب إن كان ما يتم به الواجب سببا كإمساس الماء للإبتلال فإنه سبب للإبتلال عادة وكمساس النار للإحراق وإن كان ما يتم به الواجب شرطا كالوضوء للصلاة فليس وجوب ما يتم الواجب به حاصلا بوجوب أصله والفرق أن السبب أشد ارتباطا بمسببه من الشرط بالمشروط لأنه يلزم من وجود السبب وجود المسبب ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط وقال إمام الحرمين يجب بالواجب ما يتم الواجب به إن كان ما يتم الواجب به شرطا شرعيا كالوضوء للصلاة لا عقليا كترك ضد الواجب كترك الصلاة فإنه ضد الصلاة الواجبة وكالقعود ضد القيام الواجب والمراد بالضد هنا ما يشتمل النقيض كما أن المراد بالشرط والسبب الشرط والسبب المذكوران في أصول الفقه ولا عاديا كغسل جزء من الرأس ليكون على يقين من استيعاب الوجه بالغسل وكجزء من الليل ليكون على يقين من تعميم اليوم بالصوم وكزيادة الوازن والكائل من نفسه لغيره في الكيل والوزن ليكون على يقين من الإيفاد فإذا كان شرطا عقليا أو عاديا فوجوبه بغير وجوب مشروطه بل بوجه آخر إذ لا وجود لمشروطه عقلا أو عادة بدونه والشارع لا يقصد في الطلب إلا ما يمكن حصول صورة الشيء بدونه كالوضوء للصلاة فإن صورتها تحصل بلا وضوء بخلاف غسل بعض الرأس فإن تعميم الوجه لا يحصل بدونه وكالقيام في الصلاة لا يحصل إلا بترك القعود وهذا كله بيان لقول إمام الحرمين فكذا عنده السبب الذي لا يتم الواجب إلا به ليس وجوبه بوجوب الواجب فلا يقصد الشارع بالطلب فلا يجب ثم إن المقصود بالذات المسبب وأما السبب فمقصود بالمباشرة لأنه الذي في وسع المكلف وإذا توقف ترك المحرم إلا بترك الحلال وجب ترك الحلال لأنه لا يحصل تركه إلا بترك الحلال كترك ماء طاهر إختلط بماء نجس وترك زوجتين طلقت إحداهما ولم تتبين لنسيان أو غيره وكترك امرأتين إحداهما زوجته ولم تتبين واستصحاب الأصل حجة ما لم يجيء ما يغيره من مخصص أو ناسخ كما إذا ثبت ملك الشيء أو طهارته وكفقد المفقود وغيبة الغائب فإنهما يرثان وينفق من مالهما من تجب عليهما نفقته وقيل هو حجة في الدفع به عما ثبت له دون الرفع به لما ثبت وعليه فالمفقود والغائب استصحاب الأصل وهو حياتهما قبل الفقد والغيبة دافع للإرث منهما وليس برافع فلا يرثان من غيرهما للشك في حياتهما فلا يثبت استصحابها لهما ملكا جديدا لان الأصل عدمه وقيل استصحاب الأصل حجة بشرط ان لا يعارضه ظاهرا مطلقا وقيل بشرط ان لا يعارضه ظاهر غالب وقيل بشرط ان لا يعارضه ظاهر ذو سبب فإن عارضه ظاهر في هذه الأقوال قدم الظاهر فإن وقع بول في ماء كثير ووجد متغيرا واحتمل تغير بالبول واحتمل بطول المكث أو غيره فإن استصحاب أصله وهو الطهارة عارضه حادث النجس القابل ان يكون مغيرا له فتقدم النجاسة على قول اعتبار الظاهر وتقدم الطهارة على قول اعتبار الأصل والظاهر في المسألة سقوط الأصل وهو الطهارة ان قرب العهد بعدم تغييره واعتبار الأصل ان بعد العهد بعدم تغيره واستصحاب العدم الأصلي وهو انتفاء ما اسند العقل في نفيه إلى الأصل ولم يثبته الشرع كوجوب صوم رجب حجة وإذا اجمعوا على حكم في حال واختلف فيه على حال أخرى فلا يحتج باستصحاب تلك الحال خلاف القوم فالخارج من غير مخرج البول والغائط مما لو خرج منهما لحكم ينجسه فقيل هو طاهر استصحابا لحاله من الطهارة التي قبل الخروج وقيل نجس وهو الصحيح كالقيء والخارج من ثقب فالحكم المجمع عليه طهارته قبل الخروج والحالة الأخرى ما بعد خروجه وإذا حال الحول على عشرين دينار ناقصة تروج رواج الكاملة فلا زكاة فيها للعمل باستصحاب ما قبل تمام الحول لما بعده.
Shafi 13