وأقر إخواننا أهل زوارة بأن صلاة الجمعة واجبة خلف الجبابرة إذا لم يدخلوا فيها ما يفسدها، قلت: إذا كان ما أدخلوا مفسدا لها إجماعا فلا يصلي خلفهم وإن كان مفسدا لها على الراجح جاز أن لا يصلي خلفهم إن يصلي وأقر إخواننا علماء أهل زوارة أن النوافل مأمور بها وهو قول حق وذلك أمر ندب فلا ينكر ورود أمر الندب في الشرع إلا جاهل، بل قال بعضهم: الأمر حقيقة في الندب لأنه المتيقن من قسمي الطلب وهما الوجوب وعدمه ويبحث بأن المتيقن مطلق الطلب لا خصوص أحد القسمين وإن قال القائل بالوجوب الموضوع للشيء يحمل على فرده الكامل والأصل الكمال فيحمل عليه قلنا ليس الحمل على الفرد الكامل مجمعا عليه ولا قاعدة كلية فقد قيل يحمل على أدنى ما يطلق عليه اللفظ وزاد أصحابنا في الفقه الحمل على الأوسط والبحث الواضح في دعوى أن الندب هو المتيقن أن الإذن في الترك الذي يتحقق به الندب لا دليل عليه فهو قيل زائد والأصل عدمه وقال أبو منصور الماثردي من الحنفية الأمر موضوع للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب حذرا من أن يكون من المشترك كالعين للشمس والباصرة وغيرهما وحذرا من أن يكون مجازا في أحدهما لأن الأصل عدم الاشتراك وعدم المجاز له في الوجوب والندب حقيقة من حيث أنه طلب هكذا لا باعتبار التقييد بالوجوب أو الندب حقيقة وهما الجزم وعدمه فلو استعمل في الطلب باعتبار أنه جازم أو باعتبار أنه غير جازم مجازا كما هو القاعدة في الكلي إذا استعمل في جزأيه من حيث أنه جزئي مخصوص مثل أن تقول جاء رجل وتريد زيدا من حيث أنه مخصوص كأنه علم له ولم ترد أن إطلاقه على زيد من حيث أن في زيد رجلية وإن استعملته في زيد من حيث أن فيه حقيقة الرجلية واشتمالا على الكلي فهو حقيقة وقيل الأمر مشترك بين الوجوب والندب فهو حقيقة فيهما بأن وضعت صيغته للوجوب ووضعت للندب فصيغته مشتركها اشتراكا لفظيا كما وضع لفظ واحد لمعنيين أو معان كلفظ شمس فاللفظ واحد والمعاني متعددة لا على سبيل المجاز وقيل الأمر مشترك بين الوجوب والندب والإباحة ومرادي بالوجوب الإيجاب إسما للمصدر وقيل مشترك في الإيجاب والندب والإباحة والتهديد وقيل للقدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة وقال عبد الجبار موضوع لإرادة الإمتثال ويصدق مع الوجوب والندب وليس في غيرهما من التهديد وغيره مما يستعمل فيه إرادة الإمتثال على الإطلاق بعد الحصر لا إرادة للإمتثال فيه ورجع الأبهري من المالكية عن قوله انه في حق الله تعالى للوجوب وفي حق النبي (ص) المبتدأ منه للندب إلى قول الجمهور أنه حقيقة في الوجوب وعلى ثلاثة أقوال فبعضهم قال حقيقة فيه لغة لأن أهل اللغة يحكمون بالعقاب لمخالف أمر سيده إذا لم يكن دليل على الندب أو غيره فهم يحكمون أبدا بأنه للوجوب ما لم يكن دليل عدمه فهو للوجوب فقط وقال بعض أنها لغة لمجرد الطلب وإن الجزم المحقق للوجوب بأن يترتب العقاب على المخالف مستفاد من الشرع وأن حكم أهل اللغة المذكور مأخوذ من الشرع لإيجابه على العبد طاعة سيده وعلى المرأة طاعة زوجها وعلى الولد طاعة أبويه وعلى الرعية طاعة الوالي وقال بعض هو للوجوب عقلا وإن ما تفيده اللغة من الطلب يتعين أن يكون الوجوب لأن حمله على الندب يصير المعنى إفعل إن شئت وليس هذا القيد الذي هو قولك إن شئت مذكور ويريده أن الحمل على الوجوب يصير المعنى إفعل من غير تجويز ترك وهذا القيد الذي هو قولك من غير ترك غير مذكور كذا قيل وفيه انه لا شعور لقولك من غير ترك في قولك إفعل وهذه أقوال الجمهور الثلاثة وقيل الأمر مشترك بين الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة ولا خفاء في ذلك فهو على ظاهره وقيل حقيقة في الطلب الجازم لغة فلا تقييد بالمشيئة فإن صدر ممن وجبت طاعته فالمستفاد من اللغة جزم الطلب ومن الشرع الوجوب والوجوب أخص من جزم الطلب لأنه الجزم الذي توعد على تركه والمستفاد من اللغة الطلب الجازم ومن الشرع التوعد على تركه.
Shafi 10