تطلعت إلى الوجوه تفتش عن وجه أخيها، كل الوجوه غريبة. لا تتعرف على أحد، ولا أحد يتعرف عليها. جلست بجوار سور حجري وأسندت رأسها. ربما نامت أو غفلت لحظة - فتحت عينها ورأت أمامها رجلا يرتدي جلبابا أبيض، حول وسطه حزام رفيع مربوط من الأمام على شكل فيونكة. عيناه فيها نظرة مألوفة كأمها حين كانت تحملق في الفراغ. جذبتها إليه الألفة - ربما هو واحد من الكفر جاء مثلها إلى البندر. اقتربت منه وسألت: شفتش أخويا يا عم؟ - أخوكي؟ - أخويا راح الجيش وما رجعش! - دوري عليه تلاقيه. - أدور فين يا عم؟ - في السجن أو سراية المجانين!
ثم أطلق ضحكة عالية دوت في الجو كالسعال الحاد المتقطع. أخفت وجهها بيديها ونشجت. - لأ يا عم السجن أرحم! - سجن إيه؟ ما يدخل السجن إلا الأغبياء، لكن العقلاء يدخلون معنا السراية. - ارحمنا يا رب!
كانت واقفة في النافذة. تطل من عنبر الحريم. رأسها مربوط بمنديل أبيض. عيناها محملقتان في الفراغ. شفتاها تتحركان. - يا رب.
صوتها يسري في الليل كحفيف الهواء. تهتز رءوس الأشجار . تلقي ظلاها السوداء فوق الأرض. يتردد الصدى. - يا رب ...
تقدم في الظلمة بخطوات بطيئة. رفع عينيه ناحية النافذة. - أيوه يا نفيسة!
صوته كصوت أمها يناديها. رأسه كبير تحوطه هالة من الضوء الأبيض. له هيبة الملك أو العمدة. قدمه كبيرة حافية مثل قدم النبي. - نفيسة انزلي. - أمرك يا رب!
لفت الطرحة البيضاء حول رأسها. تسللت على أطراف أصابعها وخرجت من العنبر. سارت في الممر المظلم. ذراعاها ممدودتان أمامها كمن تمشي في النوم. هبطت السلالم واجتازت الممرات دون أن تصطدم بشيء. كان ينتظرها عند الباب الخلفي. أمسك يدها وقادها إلى مكان خفي في ركن الحديقة. كانت مغمضة العينين لا تقوى على أن تفتح جفونها. سمعت من الشيخ مسعود أن من يفتح عينيه يفقد البصر من شدة الضوء. - أنت امرأة صالحة يا نفيسة؟ - أيوه يا رب. - ألم يوسوس لك إبليس بشيء؟ - أبدا يا رب. - ألم يأت لك في عنبر الحريم؟ - أبدا يا رب. - ألم تنزلي إليه هنا؟ - أبدا يا رب. - اركعي وقولي أنا عبدتك.
جثت على ركبتها ولثمت يده. يد كبيرة بيضاء كالشهد. ناعمة كالحرير. أكثر نعومة من يد العمدة. أظافر نظيفة مقصوصة، لكن في جلبابه رائحة عرق. تشككت لحظة. أيعرق الرب مثل بني آدم؟ ثم عاد إليها اليقين. - أنا عبدتك.
نطقت كلمة «عبدتك» بصوت مشروخ. انشرخ أكثر وهي تضغط على الكسرة تحت الدال. مدت الفتحة فوق حرف التاء وهي تلثم بشفتيها يده. كان واقفا في الظلمة محملقا في الفراغ. صوتها المكسور يدغدغ أذنيه، تسري الدغدغة في جسده ساخنة كالدم. هذه هي الأنثى الصحيحة، لا زوجته التي تصورت أن رأسها برأسه. أغمض عينيه مستسلما للذة. - ستكونين زوجتي المطيعة يا نفيسة؟ - أمرك يا رب. - أنا أول رجل في حياتك؟ - أيوه يا رب. - أنا الوحيد بلا شريك؟ - الوحيد يا رب بلا شريك. - لا إنس ولا جن يا نفيسة؟ - لا إنس ولا جن يا رب. - لازم أشوف الدليل يا نفيسة! - أمرك يا رب.
لم تفتح عينيها لترى ما يحدث. أحست جلبابها يرتفع. أصابعه تزحف فوق جسدها . توقفت الدقات تحت ضلوعها. تمتمت بآية:
Shafi da ba'a sani ba