فإذا لم يأتوا به ، صح تعذره عليهم ، ولا يجب أن يظن ظان أن المتأخرين أشد تمكنا في هذا الباب من المتقدمين ، من حيث فرعوا التحسين والتطبيق ، وعطف إعجاز الكلام على صدره ، والاستطراد ، والتشبيه ، والاستعارة ، وما جرى مجرى هذا مما يعد فصاحة . وذلك أن المتقدمين كانوا أعرف بجمع هذه المحاسن من المتأخرين ، وكانوا أشد تمكنا من إيرادها مواردها ، ووضعها في مواضعها ، وإن لم يكونوا وضعوا هذه الأسماء ، وكانوا يجرون فيها على طبائعهم من غير تكلف لها ولا تعمل ، وذلك مما يزيد الكلام حسنا ويكسبه رونقا ، والمعرفة بهذه الأمور على حدها يعرفه المتأخرون ، ووضع الأسماء لها مما لا يصير الانسان به أفصح ولا أشعر ولا أخطب . وإنما يصلح به الانسان الفاسد ، ويضم المتشعب ، ويسدد المختل .
لهذا تجد من يعرف كل ما ذكرنا ونعتنا ، ويتصوره ويتحققه , ويفصل بين غثه وسمينه ، ومستحسنه ومسترذله .
ثم إذا أراد أن يعمل قصيدة ، أو يبتدئ خطبة ، أو ينشئ رسالة ، عجز عن إنشائها .
والمتقدم الذي لم يحصل له العلم بهذه الأسماء والأوصاف .
وهذا يجري مجرى العلم بالعروض وألقابه .
ألا ترى أن المتقدم في ذلك لا يوجبه التقدم في الشعر .
Shafi 132