قيل: قد علمنا أن الداعي إلى الشرع داع إلى أبلغ ما به يتوصل إليه سبحانه ، إذ (¬3) كان ذلك من أيسر الأمور وأسهلها في التوصل إليه . ألا ترى أن من دعاه عطشه إلى شرب الماء فإنه يدعوه إلى استدعائه إن كان ذلك أخف وأيسر ، أو استعبابه إن كان ذلك أدنى وأسهل ، أو اشترائه إن كان ذلك أهون وأقرب .
فإذا ثبت ذلك ، ثبت أن الداعي لهم إلى إبطال أمره وتكذيب دعواه ، وإفساد حاله صلى الله عليه وآله ، كان داعيا لهم إلى المعارضة ، لعلمهم بأنهم لو أتوا بها كانت أبلغ الأشياء في التوصل إلى مرادهم ، مع أنها أسهل الأمور في ذلك وأيسرها .
ويمكن أن يورد هاهنا أسئلة ضعيفة تركنا ذكرها ، لوجهين:
أحدهما: ما كان من كراهتنا لتطويل الكتاب .
والثاني: أن ما قدمناه من الابتداءات والأجوبة يأتي عليها ، إذا تأملها المتأمل ، ونظر فيها الناظر .
على أن القرءان لا بد من أن يكون قد وقع على وجه يكون بوقوعه عليه ناقضا للعادة ، أو يكون وقع خلاف ذلك الوجه ، بأن يكون وقع كما يقع سائر الكلام المعتاد ، فلا بد من أن تكون العرب عارفة بذلك ، لأن أحوال الكلام لم تكن تخفى عليهم ، فإن كانوا عرفوه ناقضا للعادة ، فقد بان أنهم تركوا معارضته لتعذرها عليهم ، وإن عرفوه جاريا مجرى الكلام المعتاد ، فلا وجه من أجله يكونون تاركين لمعارضته ، وإذا لم يعارضوه فقد صح أنهم تركوها للتعذر ، لوقوع القرءان على وجه يكون ناقضا للعادة .
Shafi 127