وقالوا لأبي طالب: ندفع إليك فتى قريش وأصبحهم وأفصحهم عمارة بن الوليد بن المغيرة لتتبناه ، وتدفع إلينا محمدا فنقتله . فقال أبو طالب: بئس الرأي رأيتم لي ، آخذ ولدكم للتربية ، وأسلم ولدي للقتل (¬1) !! وكتبوا الصحيفة على بني هاشم وبني المطلب على ألا يؤووهم ، ولا ينكحوهم ، ولا ينكحوا إليهم ، وأجلوا كثيرا من أصحابه صلى الله عليه وآله إلى المهاجرة إلى الحبشة وإلى المدينة ، واجتمعوا في دار الندوة يدبرون عليه ، كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله تعالى: { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (30) } [الأنفال] .
وهذا يسير من كثير مما عاملوه به صلى الله عليه وآله ، بل طل من وابل ، بل وشل من بحر . فكيف يظن بهم أنهم آثروا الابقاء عليه ؟!
ولا يصح أن يقال: إن القوم تركوا المعارضة خوفا له (¬2) ولأصحابه ، وخشية لهم ، لأن جميع ما قدمنا يدل على أن القوم لم يخافوه ، ولم يحذروا جانبه .
ولا يصح أن يقال: إنهم أعرضوا عن حديث المعارضة استهانة به صلى الله عليه وآله ، وقلة اكتراث بأحواله ، لأن جميع ما قدمناه يبين أن القوم كانوا مهتمين بأمره ، بل كانوا قد جعلوا الاشتغال [به] أوكد مهماتهم ، ثم الحروب التي جرت بينهم وبينه صلى الله عليه وآله بعد مهاجرته إلى المدينة ، توضح جميع ما قلناه من أنهم لم يحتشموه ، ولم يخافوه خوفا يصرفهم عن إيحاشه ، ولم يستهينوا به استهانة دعتهم إلى ترك الفكر فيه ، والانشغال بأحواله .
Shafi 125