على أنهم بعد مهاجرة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة قد خالطوا أهل الكتاب ، واستعانوا بهم ، ولهذا انضم قريش وغطفان بعضها إلى بعض ، وانضم اليهم اليهود الذين كانوا حول المدينة ، يوم الأحزاب ، واجتمعوا وتناصروا ، وكان الساعي في ذلك والجامع لشملهم ، والمؤلف بينهم حيي بن أخطب ، وهو القائل لرسول الله صلى الله عليه وآله يوم قريظة حين قدم لضرب عنقه: (( يا محمد ما لمت نفسي في عداوتك )) (¬1) .
واليهود كانوا يتعاطون النظر في الديانات ، وكذلك النصارى ، فهلا تهيأ لهم من ذلك ما خفي على مشركي العرب ؟ وهلا اهتموا (¬2) بها - أعني اليهود والنصارى - إذ كان فيهم الفصحاء والبلغاء وأرباب الألسن ، لولا علمهم بتعذرها عليهم .
على أن ما روي عن الوليد بن المغيرة ، وعتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف فيما تقدم ذكره ، يدل على أن القوم كانوا فطنوا لذلك ، ولم يكن خفي عليهم ، وكانوا قد صرفوا همهم إلى الاشتغال به ، فبان أن الذي أوجب كفهم هو التعذر .
وإنما كان لسهو عرض لهم ، وخطأ في التدبير اتفق عليهم ، فقد يعرض السهو فيما يكون العلم به ضرورة ، ويتفق الخطأ والذهاب عن الرأي في كثير من التدبير .
ولهذا تجد الخطأ يكثر في تدبير العقلاء في الحروب والسياسات ، والأمور العامة والخاصة .
قيل له: إن الذي يجري هذا المجرى من الخطأ والانحراف عن الصواب ، إن اتفق يتفق للواحد والاثنين ، والمرة بعد المرة .
Shafi 122