ولا يجوز أن يكون خفي عليهم أن معارضته لو تمكنوا منها تكون أبلغ الأشياء في توصلهم إلى مرادهم فيه , لأنه صلى الله عليه وآله لم يكن يدعي ما كان يدعيه لتمكنه من مال أو سلطان أو اقتدار ، أو تعزز بشريعة يصدرون عن أمره فيما يمثله لهم من محاربة عدو ، أومعاونة ولي ، وإنما كان يدعي أنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأن شعاره ودثاره الصدق ومجانبة الكذب ، ومن يكون كذلك لا يخفى على العقلاء أن أبلغ الأشياء في تبديل حاله ، وتفريق أصحابه ورجاله عنه ، إظهار كذبه فيما يدعيه ويقوله .
وهب أن ذلك يخفى على الواحد والاثنين لغفلة تعرض - مع تعذر ذلك - كيف يجوز أن يخفى ذلك على العدد الكثير ، والجم الغفير ؟!!
وهب أن ذلك يخفى مدة من الزمان يسيرة ، كيف يجوز أن يخفى ذلك ثلاثا وعشرين سنة ؟!
وهب أنهم ظنوا في أول الأمر أنهم يقمعونه بالحرب والقتال . كيف يظنون ذلك بعد ما كشفت لهم تلك الحروب عن قوة أمره ، وضعف أمرهم ، بل قتل كثير من صناديدهم وساداتهم حربا وصبرا ، وسبي كثير من ذراريهم ، ونفي كثير منهم عن أوطانهم ؟ وهذا أوضح من أن يحتاج له إلى تطويل الكلام !!
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون ذلك خفي عليهم ، لأنهم كانوا إخوان الحروب ، وأصحاب الغارات ، ولم يتواتر أن ضربوا في الجدل وطرائقه بسهم ، ولا ثبت لهم في ذلك قدم ، ولم يكن النظر في الديانات ، والبحث عن صحيحها وسقيمها ، والتنقير عن الطرق المؤدية إلى الفصل بين الحجج والشبه من عاداتهم ؟!
Shafi 120