على أن الأسباب المقوية للدواعي والبواعث كانت حاصلة ، فلا بد من حصول قوتها ، لأن أقوى الدواعي أن ينظر الانسان إلى نظرائه في النسب ، ويدعي عليهم الرئاسة ، وأنه يجب عليهم (¬2) الإنقياد له ، والخضوع لأوامره ونواهيه فيما يحكم عليهم ولهم ، في أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم ، مع ذمه من خالفه منهم فلم يتبعه ، ولم ينقد له ، وتكفيره إياهم ، وذم أديانهم ، وما كان عليه آباؤهم وأسلافهم ، من غير رئاسة كانت له عليهم ، ولا زيادة في مال أو جاه أو ملك يتميز به منهم ، بل يكون في القوم من يزيد عليه في كثير من الأحوال ، ثم تكون أحواله مع ذلك في ضمان (¬3) القوة ، وآخذة في المزيد ، وأحوال القوم آخذة في جانب التراجع ، ماضية في حيز التهافت ، مع حصول تلقيهم بالامكان لجميع ما ادعاه ودعاهم إليه وشدة امتعاضهم لذلك ، مع أن القوم يعرفون بالعصبية ، وشدة الحمية . والقرءان مما كانوا يعتقدون أن عليهم فيه سبة وعارا ، وكل ما ذكرناه كانت أحوال القوم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدل ذلك على قوة دواعيهم إلى ما ذكرنا ، ولم يجز مع ذلك أن لا يقع منهم (¬1) معارضة القرءان لولا تعذرها عليهم .
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون القوم خفي عليهم أن معارضة القرءان أبلغ الأشياء في إبطال دعواه ، وإزالته عما كان يتوخاه ، فأعرضوا عنها إلى ما سواها ، واشتغلوا بما عداها ؟!
قيل له: هذا لا يجوزه من عرف أحوالهم ، لأنهم كانوا أعرف الأمم بمواقع المخاطبات , ومذاهب المعارضات ، إذ تلك من عاداتهم السالفة ، وسجاياهم الخالفة (¬2) .
Shafi 119