ألا ترى أن واحدا لو جاء وادعا النبوة في قوم ، وهم له كارهون ، ولتكذيبه مجتهدون ، فقال لهم: معجزي أن من كلمته منكم في هذا اليوم لا يمكنه أن يجيبني ، ثم أخذ يكلمهم طوال النهار من غير أن يجيبه أحد منهم ، مع وفور بواعثهم على توهين أمره ، وتنفير أصحابه عنه بإظهار كذبه ، دلنا ذلك على أن جوابه قد تعذر عليهم ، وأن ذلك معجز له ، وهذا مما لا يخيل على أحد أنصف نفسه أنه على ما قلنا .
وجملة هذا الباب: أن كل من علمنا من حاله أنه لا يفعل فعلا ما ، مع توفر الدواعي إليه ، وقوة البواعث عليه ، ومع ارتفاع الموانع عنه ، وفقد الحواجز دونه ، نعلم أنه (¬1) لم يفعله إلا لتعذره عليه . ولولا ذلك ، لم يكن لنا طريق من جهة الاكتساب يتوصل به إلى العلم بتعذر شيء على أحد . وفيما ذكرناه وأوضحناه دليل على أن معارضة القرءان كانت متعذرة على العرب .
فإن قيل: فأنتم بنيتم كلامكم هذا على أن دواعيهم كانت متوفرة إلى ما ذكرتموه . فدلوا عليه .
قيل له: من أوضح ما يدل على قوة دواعي المرء إلى أمر من الأمور ، يعرف من حاله أنه قد بذل لطلبه ونيله والتوصل إليه ، أعز الأشياء عليه . وقد علمنا أن أعز الأشياء على الانسان: النفس ، والمال ، والأرحام .
Shafi 117