أما ابتداء هذا الكلام فهو أسجاع باردة لا فائدة فيها ، وهو من جنس كلام مسيلمة ، ولهذا قال أبو بكر لما بلغه شيء من كلام مسيلمة: (( إنه كلام لم يخرج من إله )) ، يعني: من عند الله تعالى ، { إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (125) } [النحل] ، فأفسد النظم لأن قول الله تعالى اشتمل على قسمة حسنة ، لأنه بين أنه أعلم بمن ضل عن سبيله ، وبمن اهتدى ، وهذا الجاهل غير ذلك ، وأزال حسنه ، وجعله تطويلا غير مفيد ، لأن الحائد عن الطريق والمعتدي واحد ، مع أن فيه إبدال لفظة بلفظة . وقد بينا أن ذلك لا يصح أن يسمى: معارضة .
ثم قال هذا الجاهل: (( ولئن أكرمه ، وأفاء من النعمة عليه ليتم لها شكره ، ثم يعرف بذلك ربه ، إنه رب عليم ، ورءوف حليم )) ، وهذا كلام كما ترى ركيك من كلام الكتاب الذين لم يتقدموا في الصناعة ، ولم يؤتوا حظا من البراعة .
ولهذا الجاهل كلام كثير يجري هذا المجرى ، ولا فائدة في إطالة الكتاب بذكر جميعه ، بعد أن نبهنا على نمطه وطريقه ، لئلا يغتر به مغتر .
ثم قال بعد فصول من كلامه: (( وبقي أن تستوي حالة الكلامين بأن لا يتفاضل الإعتقاد فيهما , فيعظم أحدهما ، ويصغر الآخر ، ثم تكثر تلاوة أحدهما كما كثرت تلاوة الآخر ، فيستعذب ألفاظ أحدهما كما يستعذب ألفاظ الآخر ، ويستفصحه كما استفصح الأول ، فبالإلف يعذب المتلو ، ويستلذ المأكول والمشروب والمنكوح ، وبالتنكر والاستغراب ينفر عنه ، ويبعد عن الصواب ، ولتمد به الحنجرة ، كما تمد بغيره )) .
Shafi 111