ولست أقول: إن هذا القدر لا يحتمل أن يقع في كلام الفصحاء ، ولكن إذا أتى كلاما فصيحا فرام أخذ معناه بلفظ من عنده يكسوه ، فأقل ما في بابه أن يساويه ، إن لم يجاوزه (¬1) .
فأما أن يسقط دونه فهو من أمارات الخذلان . على أنا قد بينا أن هذا الجنس من الكلام لا يستحق اسم المعارضة ، ومن أتى به لا يصح أن يسمى: معارضا على مذهب العرب والعجم . فإن للعجم أيضا معارضات على مقادير لغاتهم ، وضربنا لصحة ما قلناه الأمثال بالأبيات التي أبدلنا كل لفظة منها بلفظة ، فاتضح الكلام فيه بحمد الله ومنه .
ومن كلام هذا الجاهل - وقيل: إنه أوهم به معارضة قول الله تعالى: { ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) } [الفجر] -: (( تأمل صنيع الله بأهل الشام ، وقد شملتها الآثام ، وكثر فيها الإجرام ، فيومئذ حين أظلتهم الآكام ، والقادمين من السوق بالخيام ، إن ربك صب عليهم سوء العذاب ، إنه لا يعجل العقاب ، ولهم الجزاء الأوفى يوم الثواب )) .
تأملو - رحمكم الله - هذا الفصل وما فيه من الخلل ، لتعلموا بعد هذا الانسان عما تحراه ، وسقوط كلامه دون الغرض الذي رماه .
فإن أول الكلام من كلام الكتاب المقلين في البضاعة ، المتكلفين للصناعة ، وفي كتاب عصرنا من لا يلحق هذا الكلام شيئا من كلامه (¬2) .
Shafi 108