على أن كلام ابن المقفع إذا لم يدع أنه يعارض القرءان ليس من هذا الجنس ، بل هو من كلام الفصحاء .
فإن قيل: فكيف يجوز أن يجود كلامه إذا قصد غير معارضة القرءان ، ويسقط إذا أرادها ، إلا أن يقولوا بالصرف ؟!
قيل له: هذا مما نبينه ونوضحه في الفصل الذي نبين أن الاعجاز تعلق بالنظم والفصاحة جميعا ، وستجده إن شاء الله هناك شافيا كافيا .
ومن كلام هذا الجاهل - أعني ابن المقفع -: (( ألا إن الذين اتخذوا إلها من دون الواحد القهار ، لبئس ما يصنعون ، ولا تكونوا كا لذين آمنوا ، ولم يثمر إيمانهم لظلمهم ، أولئك عليهم غضب من ربهم وهم لا يهتدون )) ، والكلام في هذا كالكلام فيما تقدم ، الألفاظ كلها ألفاظ القرءان ، حرفها وأفسدها بالتقديم والتأخير ، والتبديل والتغيير ، ثم جاء إلى قوله تعالى: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } [الأنعام: 82] ، فغيره بأن قال: (( الذين آمنوا ولم يثمر إيمانهم لظلمهم )) ، فجاء إلى ذلك النظم الشريف الرائع فنقله إلى النظم العامي .
ألا ترى أن قوله تعالى: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } ، جرى على منهاج وطريقة واحدة . فإنه جعل الفعل في الأول والآخر للذين آمنوا ، فاتسق الكلام أحسن الاتساق ، وانتظم أحسن الانتظام .
وهذا الغبي جعل الفعل الأول للذين آمنوا ، والفعل الثاني لإيمانهم ، لأنه قال: (( لم يثمر إيمانهم )) ، فحصل في الكلام بعض الاضطراب .
Shafi 107