ولعمري إن الفصيح قد يعدل عن التصريح إلى التلويح ، لكن على وجه يكون أبلغ من التصريح ، وبألفاظ تكون أجزل من ألفاظ التصريح ، ويكون ذلك لغرض صحيح . وذلك مثل قول الله تعالى: { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (24) } [سبأ] ، أراد: إني على الهدى وأنتم في ضلال مبين ، فعدل عن ذلك إلى الإيجاز والتلويح بلفظ هو أشرف وأجزل ، وكان الفرض في هذا بيان ذلك بما يكون أجمل ، والتنبيه عليه بما يكون ألطف ، وكلام هذا المختلق (¬1) لا يحتمل ذلك ، لأنه أردفه بقوله: (( عليهم غضب من ربهم )) ، وهذا نبو في المعنى الذي له يعدل عن التصريح إلى التلويح .
ومن ذلك قوله تعالى: { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } [آل عمران: 152] ، فعاتبهم بألطف عتاب ، وجعل خطابهم أجمل خطاب . ثم عقبه بقوله: { ولقد عفا عنكم } [آل عمران: 152] ، فكان عجز الكلام مطابقا لصدره ، واستمر الغرض فيهما على منهاج واحد .
ومن زيادته أيضا قوله: (( أولئك وراءهم شر ما يظنون )) ، وهذا وإن كان اللفظ لغوا (¬2) ، فإنه أخذه من معنى قول الله تعالى: { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (47) } [الزمر] ، وكساه من لفظه الخسيس ما أزال رونقه وبهجته .
Shafi 104