على أن هذا القدر وبأضعافه لا يمكن أن يعرف حال الكلام ، وحال المتكلم ، كما أن بالبيت الواحد وبالبيتين لا يمكن أن يعرف حال الشاعر ، وبالفصل الواحد وبالفصلين وبالثلاثة لا يمكن أن يعرف حال الكاتب والكتابة . وإنما يمكن أن يعرف ذلك إذا امتد نفس الكلام ، وظهر التصرف فيه ، ولهذا نقول: إن بهذا القدر من القرءان لا يمكن أن يعرف إعجازه ، لأن هذا القدر من القرءان لا يمكن أن يعرف إعجازه , لأن هذا القدر وأضعافه قد يتفق فيه ما لا يمكن لصاحبه الاستمرار عليه .
فأما ما ذكر عن ابن المقفع في هذا الباب فهو أكثر ، ونحن نذكر طرفا منه وننبه به على نمطه ، فإني رأيت كثيرا من الجهال يدخلون به الشبه على أنفسهم . فمن ذلك: (( وأما الذين يزعمون أن الشك في غير ما يفعلون ، وتنتهي الثقة إلى ما يقولون ، أولئك ممن غضب عليهم ربهم ، إنه خبير بما يعملون ، الذين اتخذوا من دوني نصيرا ، أولئك لا يجدون وليا ولا هم ينصرون ، ومنهم من يتخذ أندادا من دون الله رجما بالغيب ، أولئك وراءهم شر ما يظنون )) .
فانظروا - رحمكم الله - إلى صفاقة هذا الانسان ، كيف جاء إلى ألفاظ القرءان فحرفها عن مواضعها ، وأوهم أنها من كلامه ، فأفسد وضعه ونضمه ، وما أشبهه ، إلا ما حكى لي بعض أهل الأدب أنه أنشد قول المتنبئ:
بقائي شاء ليس هم ارتحالا ... وحسن الصبر زموا لا الجمالا (¬1)
...
فقال: أخذ قول أبي تمام فنسخه وفسخه ومسخه ، يعني قوله:
قالوا الرحيل فما شككت بأنها ... نفسي عن الدنيا تريد رحيلا (¬2) فأبلغت الحكاية المتنبئ , فقال: هلا وهبه لقولي:
Shafi 102