فإن قيل: ما أنكرتم على من قال: إني أسلم أن هذه الآيات كانت في جملة القرءان ، لكن ما تنكرون أن تكون هذه الآيات لم تكن تلفت مشركي العرب ، ولم تكن قرعت أسماعهم ، ولا علقت بأفهامهم ، لأنها أو عامتها في السور الطوال . وكان الذي تعلق لحفظ مشركي العرب ، إنما هو الآية بعد الآية ، والكلمة بعد الكلمة ، أو السورة بعد السورة من السور القصار ، وكانت هذه الآيات مغمورة في جملة القرءان ، وفي السور الطوال ، فبهذا لم يهتموا بمعارضته ؟!
قيل لهم: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتلو القرءان على أصحابه ، وعلى من كان يفد عليه من المشركين من أحياء العرب ومدنها ، ثلاثا وعشرين سنة حتى تحققه الخلق من الصحابة ، وكانوا يتلونه في المحافل والمجامع ، وبين أهليهم في صلواتهم ومدارسهم ومجالسهم ، وكان المشركون يسمعون ذلك ، ويقرع (¬1) أسماعهم ، وإن لم يكونوا يحفظونه .
وانتهى الاسلام في هذه المدة إلى اليمن ، وسائر نواحي العرب ، ويكفي في آية واحدة من آيات التحدي أن تقرع أسماعهم . فكيف يصح أن يقال: إنهالم تبلغهم ؟! إلا أن يكون الله تعالى قد صرفهم عن سماعها ، ولئن جاز ذلك ، فالصرف من عظيم المعجزات .
على أن عامة آيات التحدي إنما هي في السور المكية ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وعلى أهله وهو بمكة شغل بالجهاد ، وبيان الاحكام . وإنما كان أكثر شغله صلى الله عليه [وآله وسلم] الدعاء الى الله تعالى ، وقراءة القرءان ، على ما كان يستدعيه .
Shafi 75