على أن مثل ذلك لو كان جائزا أن يكون الفرزدق (¬5) ملجما لا يقول الشعر ، وإنما اجتمع عدة من الشعراء لأغراض كانت لهم على أن يعملوا قصائد ، وينسبوها (¬6) إليه ، وكان مثله على كل مصنف في أي جنس من أجناس العلوم ، كان مثل ما كان من ذلك ، مما لا يستجيزه عاقل ، ولا يرتاب فيه ، لأنه كان أظهر ، كان ما سألوا فيه كذلك . وهذا الباب قد استقصاه أبو عثمان الجاحظ في (( الفرق بين النبي والمتنبئ )) استقصاء شافيا . وفيما أوردناه كفاية وبلاغ .
فإن قيل: ما أنكرتم أن هذا الاتفاق جرى من عدد يسير نحو ثلاثة أو أربعة أو خمسة ، ومثلهم يجوز أن يقع منهم التواطئ على الكذب وحفظ السر ؟!
قيل له: هذا سؤال من يغش نفسه عن علم منه بأحوال الصحابة أيام عثمان ، أو يقول غير مراقب عن جهل منه بها ، وذلك أن الحفاظ في ذلك الوقت كان فيهم كثرة ، نحو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن العباس ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وغيرهم . وكثير من هؤلاء كانت بينهم منافرات ، بحيث لو عثر بعضهم على خيانة بعض في مثل هذا الأمر العظيم ، كان يسرع إلى التنديد به .
فأما من كان منهم يعرف القرءان ، أو كان يحفظ السور منه فكثير لا يحصون . وكيف يصح اجتماع ما ذكرتم ؟! أم ما الذي يغني لو اجتمعوا ؟!
Shafi 74