فمن الراجح المعقول أن عبادة الشيطان تنتمي قديما إلى الشعور بقوة الشر في البيئة التي نشأت فيها، وأحاطت بها.
ومن الراجح المعقول أيضا أن الشعور بقوة الشر قد كان على أشده حيث آمن الناس بقسمة العالم بين النور والظلمة، وبين الطيبة والخباثة، وجعلوا لإله الشر حصة في الكون مساوية لحصة إله الخير أو قريبة منها، وتلك هي الثنوية «الزردشتية» منذ أقدم أطوارها.
وينبغي أن نذكر أن الثنوية كانت تفرض لإله الشر في بعض الأزمنة سلطانا أكبر من سلطان إله الخير في العوالم الأرضية، وتسوغ هذا الفرض الغريب بأن سلطان الشر سلطان موقوت يندثر بعد حين؛ فالنور والخير منفردان بالسماوات العليا، والظلمة والشر غالبان على الأرضين السفلى إلى الموعد المعلوم، ثم يتقهقر هذا السلطان في العالم الإنساني ليخلفه سلطان الخير أبد الآبدين.
قامت هذه العقيدة قديما في أرض فارس على تخوم السهوب الآسيوية، حيث لا تعرف العشائر المترحلة غير شياطين الصحارى أو أرواحها المتمردة، ولا تزال في كل رحلة من رحلاتها عرضة لعصف الثلوج والحرارة، وفتك السباع والأفاعي، ونكبات القحط والطوفان، ولا تأمن في طريقها ما لم تكن على هوى الشيطان.
ولم يكن هوى تلك العشائر في حياتها الأولى مخالفا كل المخالفة لهوى الشيطان في عنفه، أو في كيده، أو ختله، أو في اندفاعه مع شهواته وأطماعه، فكانت تنساق لأهوائها حين تزعم أنها تنساق لأهواء الشيطان.
في تلك الأرجاء تأصلت العبادة الثنوية، وتأصلت معها العبادة الشامانية، وهي عبادة الأرواح والشياطين.
ففي بلاد العمار - أو بلاد الحضارة الفارسية - تهيأت الأذهان للعقائد الكونية الواسعة، فتأصلت الثنوية وعلمت الناس أن الشر غالب على الأرض، ولكنه مغلوب بعد حين، وأن «أهريمان» رأس الأرواح الخبيثة نافذ السلطان في عالم الإنسان.
وفي السهوب المقفرة تأصلت الشامانية وشعائرها التي لا تفصل بين الكهانة والسحر بفاصل محدود، فقد يكون الروح الواحد طيبا هادئا إذا رضي واستراح إلى مقامه، واستوفى مطالبه من فرائسه وضحاياه ، وقد يكون خبيثا عارما يتخبط فريسته فلا تجدي عنده شفاعة الكاهن الساحر، أو يثوب إلى السكينة بمحض هواه.
لما ظهرت المسيحية كانت الثنوية والشامانية على أقوى ما كانتا عليه قبل الميلاد.
ونشطت مع المسيحية في مجال واحد عقيدة ثنوية حملها جنود الرومان من تخوم الهند إلى الجزر البريطانية، وهي عقيدة «مترا» بطل النور الذي استشهد في حربه لإله الظلام، ووعد عباده بالعودة إليهم بعد حين مظفرا متمكنا من الأرض والسماء ما دامت الأرض والسماء.
Shafi da ba'a sani ba