وهي كلمة رائقة معجبة تروع المسامع وتستحق في بعض الأذواق أن تقال، ولو تسامح القائلون والسامعون في بعض الحقيقة طلبا لبلاغة المجاز.
ولكنها في الواقع هي الحقيقة في بساطتها الصادقة التي لا مجاز في لفظها ولا في معناها، ولا تسامح في مدلولها عند سامع ولا قائل، بل هي من قبيل الحقائق الرياضية التي تثبت بكل برهان، وتقوم الشواهد عليها في كل مكان.
فقد كانت معرفة الشيطان فاتحة التمييز بين الخير والشر، ولم يكن بين الخير والشر من تمييز قبل أن يعرف الشيطان بصفاته وأعماله، وضروب قدرته، وخفايا مقاصده ونياته.
كان ظلام لا تمييز فيه بين طيب وخبيث، ولا بين حسن وقبيح، فلما ميز الإنسان النور عرف الظلام، ولما استطاع إدراك الصباح استطاع أن يعارضه بالليل، وبالمساء.
كانت الدنيا أهلا لكل عمل يصدر منها، ولم يكن بين أعمالها الحسان وأعمالها القباح من فارق إلا أن هذا يسر وهذا يسوء، وإلا أن هذا يؤمن وهذا يخاف، أما أن هذا جائز وهذا غير جائز في ميزان الأخلاق، فلم يكن له مدلول في الكلام، ولم يكن له - من باب أولى - مدلول في الذهن والوجدان.
وكانت القدرة هي كل شيء.
فلما عرف الإنسان كيف يذم القدرة ويعيبها عرف القدرة التي تجمل بالرب المعبود، والقدرة التي لا تنسب إليه، ولكنها تنسب إلى ضده ونقيضه.
وهو الشيطان.
وكانت فاتحة خير لا شك فيه.
كانت فاتحة خير بغير مجاز وبغير تسامح في التعبير.
Shafi da ba'a sani ba