114

والكاتب الكاثوليكي جيوفاني بابيني يؤلف الكتاب عن الشيطان، ويريد أن يطبق فضيلة السماحة على هذا العدو المبين في جملة الأعداء الذين تشملهم رحمة الله، ويرى أن الله لا يرضيه دوام الشر، ولا دوام السقوط على كائن من الكائنات العاقلة، فلا بد في نهاية التجربة الكونية من حياة لا شر فيها ولا شيطان، وزوال الشيطان إنما يكون بزوال شره وارتداده عنه إلى الخير والصلاح.

ورأيه هذا مخالف لآراء الأكثرين من أقطاب المذهب، ولكنه لم يبلغ من المخالفة أن يعرضه للطرد والحرمان، فإن آراءه الأخرى في الكتاب تحسب له إذا حسب هذا الرأي عليه، وفيها شرح للعقائد الدينية، وتقبيح للمنازع الشيطانية يحمده له المعتقدون، ويقنعون به من الكاتب في زمن يقل فيه أمثاله من الكتاب العالميين الذين يعلنون عقائدهم في غير مبالاة بسخرية المنكرين والملحدين.

تلك زبدة مفيدة لما يسمى (بالديمنولوجي) “Demonology”

أو مباحث الباحثين عن الشيطان في العقيدة الدينية، وفي التعبيرات المجازية في القرن العشرين.

فالمتدينون يؤمنون بوجود الشخصية الشيطانية فعلا، ويحصرونها في أضيق حدودها، ولا يبوئونها من السلطان على النفس البشرية تلك المنزلة التي كانت لها في عقائد الأولين.

والمعبرون المجازيون فريقان : فريق يلغي الشخصية الشيطانية البتة، ويحل محلها عوامل الوعي الباطن التي يسميها الغريزة، أو الكبت، أو العقد النفسية، أو علل الشخصية السقيمة وما شاكل هذه الأسماء ... وهذا الفريق مسبوق إلى رأيه في جملته دون تفصيله؛ فقد ذهبت هذا المذهب فئة من المعتزلة ترى أن الشيطان هو وساوس النفس، ودوافع الشهوة والطمع والغضب والخديعة، وتستند في رأيها إلى قول النبي عليه السلام: «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق.» وليس هذا التأويل عند جمهرة المحدثين بالتأويل المقبول.

والفريق الآخر على رأي هكسلي الذي تقدم ذكره، وهو أن العقل والعلم لا يمنعان وجود الشيطان، كما جاء في الفصل السابع من كتابه عن شياطين لودن؛ حيث يقول: «هل توجد الشياطين؟ وإن كانت توجد؛ فهل كانت حاضرة في جسد الأخت جين وزميلاتها الراهبات؟ فأما المس الشيطاني فلست أرى في القول به سخفا أصيلا، ولا أجد شيئا من التناقض في فكرة ترى إمكان وجود الأرواح غير الإنسانية؛ طيبها وخبيثها، أو لا طيبة ولا خبث فيها، وليس ثمة ما يضطرنا إلى القول بأن الملكة الفاهمة ممتنعة فيما عدا أجسام الإنسان والحيوان، وإذا قبلنا الشواهد على الكشف والنظر البعيد - وهي شواهد يكاد القول برفضها أن يتعذر علينا - فلا بد من الإيمان بعوامل مفكرة مستقلة على الأغلب الأعم عن المكان والزمان والمادة.»

وهذه هي زبدة «الديمنولوجي» في صفحتها الأخيرة من آراء المتدينين والمفكرين في القرن العشرين.

خاتمة

تمت في هذه الصفحات رسالة موجزة في موضوع من موضوعات المقارنة بين الأديان والعقائد، يدور حول تصوير «قوة الشر» من عهد القبائل البدائية إلى منتصف القرن العشرين.

Shafi da ba'a sani ba