181

Nan ne Alkur'ani

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Nau'ikan

بهذا أكتفي في التدليل على عدم عودة عيسى إلى الدنيا ولو استرسلت لطال الكلام وثقل على القراء، ولكني رغم ذلك قد أسمعهم يقولون: إذا كنت تقول: إن قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) لا تخص عيسى ولا يعود إليه الضمير. فإلى أين يعود الضمير في قوله (وإنه) مع أن الذي يسبق الضمير في الآية إنما هو اسم عيسى عليه السلام. والمعروف لغويا أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور. نعم قد يقول البعض هذا المقال وهو متوقع لمن تعود على اتباع الأقوال، واعتمد على المنقول، وهجر العقل والمعقول، لكن المتأمل بإمعان والمتمرس بأساليب البيان، يدرك أن الضمير في الآية يعود إلى القرآن. ولي على ذلك أدلة راسية البنيان، قوية البرهان:

الدليل الأول:

بقية الآية وما بينها فاقرأوا معي: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم* ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين). [61و62]إن النهي عن الامتراء في الساعة يدل على أن المراد أن القرآن الكريم المنزل من الله العليم، فيه علم بل هو العلم للساعة فلا يصح ولا يقبل بعده الامتراء بها، ثم لا يصح أبدا من المسلم المتبع للرسول الأمين الصادق أن يبعده الشيطان عن اليقين بالساعة فإنه رجيم مارق، هذا أول الأدلة فهو يؤكد أن القرآن فيه العلم اليقين بالساعة، وهو علم من الله الذي عنده علم الساعة، فلا يمتري بها إلا خاسر البضاعة.

أما الدليل الثاني:

فهو قوله تعالى بعد ذلك: (ولما جاء عيسى بالبينات) . . الخ الآية63.إن ذكر اسم عيسى ظاهرا غير مضمر يدل على أن ما جاء من آيات تتحدث عن عيسى قبل هذه الآية وبعدها قد دخلها وقد طرأ عليها استطراد عن موضوع آخر هو موضوع الساعة والتي تبدأ بقوله: (وإنه لعلم للساعة) إنها الآيتان 61و62، التي تنتهي بقوله: (إنه لكم عدو مبين)إن هذا الاستطراد الجملي خلال الآيات المتحدثة عن عيسى قد أوجب إعادة اسم عيسى ظاهرا غير مضمر فقال: (ولما جاء عيسى بالبينات . . الخ). ولو كانت الآية التي نحن بصددها وهي : (وإنه لعلم للساعة) تعني المسيح لما احتاج الموضوع إلى ذكر اسم عيسى ظاهرا بل كان يكفي أن يقول: (ولما جاء عيسى بالبينات) بالضمير فقط وذلك على فرض أن الضمائر كلها تعود إلى عيسى. لكن لما كان ضمير (وإنه لعلم للساعة) لا يعني عيسى بل يعني القرآن كان لا بد أن يعاد اسم عيسى وبشكل ظاهر غير مضمر ليدل على أن الكلام عاد إليه بعد انقطاعه عنه بالاستطراد عن الساعة، أليس هذا ما يدل على ما ذهبت إليه.

وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية لا يجهله أحد ثم لكي تتأكدوا من جديد بأن عيسى إلى الدنيا لن يعود فاقرأوا بقية الآيات بعناية من أولها إلى النهاية لتجدوا أن من خالف من الأحزاب موعودون معه جميعا إلى يوم الحساب وفي هذا فصل الخطاب، فلنقرأ معا بعناية من أول الآيات إلى النهاية، (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعوني * إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) [63و64]هذه هي عقيدة عيسى ودعوته فليس ابنا لله ولا إلها بل عبدا يدعو قومه إلى عبادة الله ربهم وربه، فماذا حدث بعد هذا: (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم) [65]فمتى هذا اليوم؟ وماذا ينتظر القوم: (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) [66]إن الموعد المنتظر للجميع إنما هو قيام الساعة لا قبلها ولو بنصف ساعة، فمن يدعي عودة المسيح كذاب وهو من جملة الأحزاب الذين اختلفوا فيما بينهم فالويل لهم من عذاب ربهم فالساعة تبغت المنتظرين لعيسى والعذاب يبهت من افترى، إن هذه الآيات تمحو لكل قائل أوهامه، فلا عودة لعيسى قبل يوم القيامة. إن الله يقول: (وإنه لعلم للساعة) بسكون اللام في كلمة (علم) ولم تكن بفتح اللام كما يدعي أولوا الأوهام، فالعلم بالساعة خاص بالله وهو عنده لا سواه، ولكنه رحمة بالعباد جعل القرآن يحتوي على بعض ما يجري لهم يوم المعاد، وبشكل مجمل قليل. وليس موغلا في التفصيل ذلك أن علم الساعة عظيم مهيل لا يحيط به إلا الله الجليل. ولهذا جاءت كلمة علم في الآية نكرة لتدل على التقليل (وإنه لعلم للساعة) إنه علم قليل ولكنه عظيم مهيل، والارتياب به وبيل، فيجب التصديق واليقين لأنه نبأ عظيم من الله رب العالمين، ملك يوم الدين، واليقين بيوم الدين هو طريق المفلحين.

هناك دليل ثالث فيه الإيضاح فلنعد إلى بداية السورة والافتتاح فإن فيها الدليل والمفتاح، ولنقرأ أجمعين، (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) [1-4]إن السورة واضحة البيان من بدايتها بأن القرآن موضوعها في بدايتها ونهايتها، بل وفي ثناياها وأوسطها فلقد جاء في وسطها: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) ثم قال: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)وعلى هذا الأساس سيقت بعد هذا قصة فرعون مع موسى حتى انتهت بقوله عن المكذبين والمشركين بالله: (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) ثم قال: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) إذن فهو قصص يؤكد على وحدانية الله وأنه لا يعبد سواه. وهنا يأتي الاستطراد عن القرآن بقوله: (وإنه لعلم للساعة). . الخ. ثم عاد من جديد ليتحدث عن عيسى فأعاد اسمه الظاهر ليؤكد أن الكلام قبل هذا قد انقطع بالاستطراد فقال: (ولما جاء عيسى بالبينات). . الخ.ولكنه هنا في هذا المقطع المستأنف أكد على قضية التوحيد بشكل شديد فردي عن عيسى قوله: (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) إن كلمة (هو) في قوله: (إن الله هو ربي) لم تأت في غيرها في أمثالها من قول عيسى لقومه، فلقد وردت في آل عمران وفي سورة مريم بدون (هو) مما يدل على أن التأكيد هنا شديد وأن القصة مسوقة لتأييد أن الله لم يجعل من دون الرحمن آلهة يعبدون،

وهكذا تستمر الآيات، لتصل إلى الإخبار عما سيحدث يوم الحساب لمختلف الناس والأحزاب وتبدأ بقوله: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) حتى يقول عن أهل الجنة: (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون)ثم ينتقل إلى الإخبار عن المجرمين حتى ينتهي بقول: (ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) وبعد: أليس هذا (علم للساعة) أليس هذا ما يؤكد على أنه القرآن فيه علم الساعة المشتمل على البيان الذي لا يعلمه الإنسان إلا من ربه الرحمن والذي تفضل به وفصله في القرآن،

وإذا جلنا سريعا في هذا الكتاب العزيز وبإمعان سنجد علم الساعة والخبر قد ورد في كثير من السور ليعتبر من اعتبر وليتذكر من تذكر وليكون الناس على علم يقين بها ليستعدوا لقدومها. ولن أعدد السور، كلا بل أختار ما العلم بالساعة واضح فيها، ومنها: الوقعة، القارعة، الحاقة، التكوير، الانفطار، المدثر، القيامة، الزمر، بل وهناك: النبأ، والنازعات، والإنسان، والمرسلات. هذه نماذج من السور التي العلم فيها عن الساعة مكرس مكرر، وهناك سور أخرى لم تخل عن التذكير بالأخرى، ولم تخل عن علم للساعة وتكريس للذكرى. فهل بعد هذا تأكدتم أن القرآن علم للساعة وبيان،؟ وأنه لولا القرآن لما علم بها الإنسان؟ (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)فهل بعد هذا البيان اتضح الأمر لكم أيها الإخوان؟ والآن وبعد التأكد أن الضمير في الآية التي في سورة الزخرف هو للقرآن أنتقل بكم إلى سؤال قد يخطر بالأذهان هو:هل هناك أمثال في الآيات القرآنية يعود فيها الضمير للقرآن بهذا الأسلوب وبهذه الصورة؟ والجواب هو: نعم نعم، وبشكل واضح لن يفهم. لنقرأ البقرة لنجد قوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) [121]ومع أن هذه الآية تأتي بعد مائة آية من قوله: (يؤمنون به) فالضمير في يتلونه حق تلاوته يعود للكتاب الذي لأهل الكتاب، أما الضمير في قوله: (يؤمنون به) وقوله: (ومن يكفر به) فإنما تعود للقرآن فمعنى الآية أن الذين يتلون الكتاب المنزل قبل القرآن تلاوة الحق واليقين يعلمون أن القرآن من نفس المشكاة فهم به يؤمنون.ولنقرأ في سورة الأنعام آيات يعود فيها الضمير إلى القرآن مع أنه لم يذكر بلفظة قبلها بل بمعناه ومع ذلك عاد إليه الضمير فلنقرأ مثلا : (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون) [51](قل إني على بينة من ربي وكذبتم به) [57](وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل) [66]

ولنقرأ في سورة هود لفتة سريعة عن القرآن خلال الحديث عن نوح فقال قبل أن تنتهي قصة نوح بل في بدايتها بشكل مفاجئ: أم يقولون افتراه) . . الخ، ثم عاد من جديد ليواصل الحديث عن نوح، وإذا كان في سورة الزخرف قد جاءت الآية منفردة فلقد عاد الضمير في آية هود إلى القرآن خلال آية لم تكتمل بعد، ولنقرأ في سورة يوسف قوله تعالى: (وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين) [104]فإلى أين يعود الضمير؟ لا شك أنه إلى القرآن، مع أنه لم يذكر إلا في أولها (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، بل وفي سورة الحج ورد قوله: (وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد)[16]في حين لم يتقدم في السورة أي ذكر للقرآن بلفظة. بل لقد اختتمت سورة مريم بقوله: (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) [97] فالضمير في يسرنا للقرآن، مع أنه لم يسبق له ذكر في السورة بلفظه بل بمعناه وفي مواقع متباعدة وختمت سورة ص بقوله: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين) [86و87] مع أن القرآن لم يذكر إلا في أولها، (ص والقرآن ذي الذكر)[1] وجاء في أواخر سورة يس قوله تعالى: (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) [69]مع أنه لم يذكر إلا في أولها فكيف عاد الضمير بعد هذه الآيات المتوالية؟

Shafi da ba'a sani ba