فلما تلطخت مدام هيجو بهذا العار سقطت من عين زوجها. ولم يكن هناك ما يدل على أن القصة التي ذكرها سانت بوف صادقة، ولكن الجمهور صدقها، وكان هذا كافيا لأن يغض من كرامة فيكتور هيجو ويقرح في صدره. وقد كظم غيرته، وأغمض عينه على القذى، وعاش مع زوجته محافظا على جميع الظواهر. والحقيقة أن تيهه وغروره منعاه من أن يعترف بوقوع هذه الإهانة أمام الجمهور.
وحدث في سنة 1833، بعد هذه الحادثة، أن زارته في أحد الأيام فتاة من المشتغلات بالتمثيل تدعى «مدام درويه» وطلبت إليه أن يخصها بتمثيل أحد أشخاص درامته، التي كان على وشك أن يقدمها لأحد التياترات، وكانت هذه الفتاة حاصلة على نصيب كبير من الجمال. رآها تيوفيل جوتيه الكاتب المعروف، فوصفها وصف المدله بجمالها، في قطعة نثرية كأنها مقطوعة من الشعر. وكانت في بدء أمرها فقيرة، فعاشت مدة مع برادييه المثال، ثم أعرض عنها وجفاها، فلجأت إلى نبيل روسي، وعاشت معه دهرا. ثم دخلت التمثيل، وعرفت عن سبيله فيكتور هيجو.
ولما تركته، وحصلت منه على وعد بتخصيص جزء من الدراما لها كانت قد وقعت في نفسه، فما هو أن برحته، حتى قام يرد إليها الزيارة، وصارا بعد ذلك يتزاوران، وانبسط كل منهما إلى الآخر وأقبل عليه. وكانت مدام هيجو ترى ذلك فلا تبدي تذمرا أو انتقادا، لما تعلم من ذيوع قصتها مع سانت بوف. وكان هيجو نفسه يستغل هذه القصة، لكي يسوغ لنفسه خيانة الأمانة الزوجية وعشق مدام درويه.
وتمادى العشق بينهما، حتى أهملت مدام درويه صناعتها في التمثيل، وعندما نفي هيجو من فرنسا بأمر نابليون الثالث ذهبت معه إلى جزيرة جرنزي. وكانت مدام هيجو تزورها، وتدعوها إلى بيتها، وتتجاهل أمام الناس كل ما بينها وبين زوجها، ولا بد أنها كانت تعاني آلاما عظيمة من هذه الإحساسات المحتشدة في صدرها؛ حبها لزوجها، وغيرتها من هذه المرأة، وهوان نفسها أمام ما ذاع عنها عن علاقتها بسانت بوف.
ويحكى أن بعضهم زار دار هيجو في مساء أحد الأيام في جرنزي، فلما دخل إلى منظرته وجد زوجته مضطجعة وهي تعاني أشد الآلام، فسألها: أين زوجها وأولاده؟ فقالت: ذهبوا كلهم إلى دار مدام درويه لكي يقضوا المساء هناك في انبساط وتمتع. اذهب أنت أيضا؛ لأنك لن تجد هنا ما يسرك.
وهكذا عاشت مدام هيجو 33 عاما، وهي تعرف أن المكان الأول ليس لها في قلب زوجها، وكانت في خلالها مكسورة الخاطر مقهورة العواطف، فلو كان ما ذكره سانت بوف عن حبها حقيقيا، فقد لاقت جزاء خيانتها، بل أكثر مما تستحق. وإن كان ما ذكره كاذبا، فهو جدير باللعنة في كل زمان، وهي جديرة بالشفقة من كل إنسان.
أما مدام درويه، فقد عاشت حتى بلغت الثمانين. وماتت قبيل وفاة فيكتور هيجو بمدة قصيرة. ودفنت في باريس، بعد أن حملت جنازتها في مشهد فخم لا يدري الإنسان أية لطائف كان يتفاكه بها المشيعون لجنازتها، وهم يسيرون وراء هيجو وكلهم يعرف قصة عشقهما.
ولكن هذا هو المزاج اللاتيني، يتغاضى عن مثل هذه الخطيئات، بل يذكرها كأنها شيء مألوف لا غبار عليه.
بلزاك وإفيلينا هانسكا
ليس في القرن التاسع عشر من يفوق بلزاك في فرنسا في الفن القصصي. وهذه الحقيقة لا يعترف بها إلا القليل من الفرنسيين، ولكن أدباء العالم الأوروبي الذين يقرنون الأدب الفرنسي إلى غيره من الآداب، يعرفون هذه الحقيقة، ويقرون لبلزاك بالتفوق والتبريز.
Shafi da ba'a sani ba