المقدمة
لماذا يتشابه المحبان؟
رأي العرب في الحب
رأي الإفرنج في الحب
أنطونيوس وكليوبطرة
جميل وبثينة
يزيد وحبابة
كثير وعزة
قيس ولبنى
صبيحة وابن أبي عامر
Shafi da ba'a sani ba
ابن زيدون وولادة
أبيلار وهيلوئيز
شارل الثاني ملك إنجلترا
ماري ملكة اسكوتلاندا
الملكة إليصابات
ماري أنطوانيت
شارلوت كورداي
نابليون وماري فالفسكا
ماري لويز
بيرون وتيريزا
Shafi da ba'a sani ba
مدام دوستايل
أهواء جورج صاند
كارليل وزوجته
فيكتور هيجو ومدام درويه
بلزاك وإفيلينا هانسكا
لاساله وصاحبته
جامبتا وصاحبته
الإمبراطورة كاترين
خمس نسوة وبرنارد شو
قصة كارل ماركس
Shafi da ba'a sani ba
المقدمة
لماذا يتشابه المحبان؟
رأي العرب في الحب
رأي الإفرنج في الحب
أنطونيوس وكليوبطرة
جميل وبثينة
يزيد وحبابة
كثير وعزة
قيس ولبنى
صبيحة وابن أبي عامر
Shafi da ba'a sani ba
ابن زيدون وولادة
أبيلار وهيلوئيز
شارل الثاني ملك إنجلترا
ماري ملكة اسكوتلاندا
الملكة إليصابات
ماري أنطوانيت
شارلوت كورداي
نابليون وماري فالفسكا
ماري لويز
بيرون وتيريزا
Shafi da ba'a sani ba
مدام دوستايل
أهواء جورج صاند
كارليل وزوجته
فيكتور هيجو ومدام درويه
بلزاك وإفيلينا هانسكا
لاساله وصاحبته
جامبتا وصاحبته
الإمبراطورة كاترين
خمس نسوة وبرنارد شو
قصة كارل ماركس
Shafi da ba'a sani ba
الحب في التاريخ
الحب في التاريخ
تأليف
سلامة موسى
المقدمة
للإنسان غريزة جنسية إذا تنبهت احتدت فاستحالت إلى عاطفة، فشهوة، فاندفاع قوي لا يكاد الإنسان يدري ما هو فاعل فيه.
ولكن للإنسان أيضا عقلا إذا تنبه لم يحتد، ولكنه يتأمل في أناة وتبصر، فيستحيل إلى وجدان يدري الإنسان ما هو فاعل فيه.
وكلنا سواء في الغريزة، بل نحن والحيوان سواء فيها، ولكننا نتفاضل في الحب الوجداني الذي ينشأ عن التعقل والتبصر، فندري ما نحن بسبيله من التقرب للجنس الآخر، ونقدر الصفات ونزن الفضائل.
والحب الغريزي هو حب العاطفة، حب الشهوة والنظرة الأولى، وهو بعيد عن الحب الوجداني، الذي يزن ويقدر ويعرف القيم البشرية العالية.
حب العاطفة هو الحب الأعشى القصير.
Shafi da ba'a sani ba
وحب الوجدان هو الحب الفهيم البصير.
وهناك نوعان من السعادة، كما أن هناك نوعين من الحب؛ فإن سعادة الغرائز هي سرور زائل، كما نجد في لذة الأكل أو الشرب، وهو سرور عاطفي، ما هو أن نشبع حتى ينطفئ، ولكن السعادة القيمة هي ثمرة الوجدان والتعقل، وكذلك الشأن في الحب العاطفي الذي ينشأ من أول نظرة؛ إذ هو شرور زائل، ولكن الحب الوجداني الذي تعتمد فيه على التعقل والتبصر ووزن القيم البشرية، هو أكثر من السرور، هو سعادة مقيمة.
وهناك خطأ شائع هو أن الحب بين محبين إنما يرجع إلى الغريزة الجنسية لا أكثر. وهذا التباس يحتاج إلى بعض التحليل؛ فإن الاشتهاء يرافق الحب، ولكنه ليس أصله، بل يحدث أحيانا أننا عندما نحب امرأة حبا عظيما فإننا نرفعها إلى مرتبة من الطهارة، ونسمو بجمالها إلى معاني من القداسة، بحيث تتقهقر الغريزة أمام هذه الاعتبارات.
ولكن الحب ينتمي إلى أصل آخر هو ذلك التعلق الذي نما في طفولتنا وربطنا بالأم، وهذا هو الذي يجعل في الحب حنانا ورقة ورحمة. ونحن حين نحب امرأة إنما في الواقع نحب صورة الأم في وجهها وقامتها وصوتها؛ لأننا قد نشأنا على أن نكبر من شأن الصفات التي تتحلى بها أمهاتنا.
وإذن يجب أن نقول: إن الحب العظيم ليس هو حب النظرة الأولى، حب العاطفة، وإنما هو حب التبصر، حب الوجدان والتعقل. ويجب أن نقول أيضا: إن الحب ليس هو الشهوة، وما في الحب بين رجل وامرأة من عظمة ومجد وجلال، إنما يرجع في صميمه إلى الصفات السامية التي نعزوها إلى أمهاتنا، وإلى أخلاق اجتماعية قد علمنا إياها المجتمع، وإلى عادات عائلية مارسناها في طفولتنا.
وإذن يجب أن نقول أيضا: إن الناس ليسوا سواء في القدرة على الحب، كما أنهم ليسوا سواء في القدرة على السعادة؛ لأن كليهما - الحب والسعادة - يتوقفان على مقدار ما عندنا من وجدان؛ أي تعقل، وعلى مقدار ما أحببنا أمهاتنا، وعلى مقدار ما كان عند أمهاتنا من صفات سامية.
وهناك فرق في الحب بين الرجل والمرأة؛ فإن حب الرجل يكاد يقتصر على المرأة؛ أي على زوجته، وحبه للأطفال ضعيف مشتت مبعثر؛ إذ هو مشغول بالكسب مختلط بالمجتمع أكثر من المرأة. لكن حب المرأة يختلط بأبنائها؛ ولذلك فإن الأمومة جزء خطير من الحب النسوي.
وأخيرا قد يسأل القارئ: هل يجب أن نهتم بالحب، ونؤلف عنه المؤلفات، نروي فيها تفاصيله وأساليبه بين محبين؟
والواقع أن الحياة أكبر من الحب، وأن الإنسان يستطيع أن يرصد حياته لعمل عظيم يستغرق كل عقله وقلبه وكل مجهوده؛ كأن يتوخى تحقيق مذهب، أو اختراع آلة، أو توجيه شعب إلى غاية، أو نحو ذلك، وهذا النشاط جدير بأن تؤلف عنه الكتب وتروى عن تفاصيله القصص.
ولكن الحب هو السعادة، أو هو أقرب شيء إلى السعادة، وفيه تتبلور أخلاقنا، وتبدو في جوهرها الأصيل، وهو؛ أي الحب، يربينا ويستنبط منا أسمى ما في أخلاقنا؛ ولذلك حين نروي قصة عن الحب إنما نروي أيضا أحسن ما في الطبيعة البشرية من خلال تحملنا جميعا على الإعجاب وعلى الإحساس بالسعادة.
Shafi da ba'a sani ba
لماذا يتشابه المحبان؟
كثيرا ما يحدث أننا نلتقي بزوجين، فنظنهما للتشابه العظيم بينهما أنهما شقيقان، مع أنهما قد يكونان غريبين، لا تربطهما قبل الزواج أية قرابة عائلية تبرر هذا التشابه؛ ذلك أن أحدنا قد يشبه ابن عمه أو ابنة خالته، وقد يتزوجها، فيكون التعليل واضحا للتشابه بينهما، ولكنا كثيرا ما نجد أن الزوج الذي نشأ في الإسكندرية، قد تزوج فتاة من قنا أو القاهرة، ومع ذلك نجد عندما نتأملهما أنهما يكادان يكونان شقيقين، فما هي علة ذلك؟
علة ذلك أن الشاب عندما يبلغ سن المراهقة ثم الشباب، إنما يتخيل صورة معينة من الجمال تلازمه مدى حياته، مهما تأثر ببعض الظروف الاجتماعية أو الفنية، وهذه الصورة هي صورة أمه وقت الرضاع، وفي أثناء السنوات الثلاث أو الأربع التالية؛ وذلك لأنه في هذه السنين لا يجد في عالمه شخصا أكثر عطفا عليه، والتفاتا إلى حاجاته، وحبا له من أمه، فوجه أمه إذن هو أجمل الوجوه، وصوتها هو أرخم الأصوات، وقامتها هي القامة المثلى للنساء الجميلات. وتبقى هذه الصورة كامنة في ذهنه، بل في نفسه إلى أن يبلغ المراهقة فالشباب، فإذا جاء ميعاد الزواج صارت جميع الوجوه قبيحة أو سمجة أو غير جميلة ، ماعدا تلك الوجوه التي أشبهت وجه أمه، فهو يستلطف هذا الوجه، ثم يعشقه، ويختار تلك الفتاة التي تشبه أمه، أو على الأقل تقاربها في الوجه واللون والقامة والصوت والبدانة أو النحافة.
ولذلك نجد أن الرجل السمين يتزوج الفتاة السمينة ويستلطفها، بخلاف الشاب النحيف الذي لا يستلطف غير الفتاة النحيفة. ومرجع ذلك أن أم السمين كانت سمينة مثله أيام طفولته، وكان يحبها لأنها أمه، وكان يعتقد أن السمن الذي هو صفة أمه من علامات الجمال، فلما كبر وسمن هو نفسه بحكم الوراثة من أمه، أو بحكم المعيشة ونظام الغذاء معها، لم يعد يجد الجمال إلا في المرأة السمينة. وقل مثل ذلك عن الرجل الأبيض، لا يرضى بأن يتزوج فتاة سمراء، أو الرجل الطويل لا يرضى بأن يتزوج فتاة قصيرة؛ لأن أم الأول كانت بيضاء، وقد غرست فيه حب البياض، ولأن أم الثاني كانت طويلة، وقد غرست فيه حب الطويلات.
فالرجل يشبه زوجته لسبب واحد هو أنه قد انغرست فيه قيم الجمال منذ طفولته، وكأن الأنموذج الذي رسم عليه، وأخذ عنه هذه القيم، هو أمه. ولما كان هو يشبه أمه بحكم الوراثة إلى حد بعيد، ثم لأنه عندما يتزوج يختار فتاة تشبه أمه، فإننا نجد الاثنين بعد الزواج متشابهين كأنهما شقيقان.
وهنا قد يرد بعض القراء: ولكن هناك أزواجا يختلف فيها الزوج عن زوجته، فهو طويل وهي قصيرة، وهو أسمر وهي بيضاء، وهو سمين وهي نحيفة، فما هو تعليل هذا الاختلاف؟
فللإجابة على هذا السؤال نقول: إن هذا الاختلاف بين الزوجين قليل الحدوث جدا، وهو حين يوجد يكون مرجعه إلى أن الزوج لم يختر زوجته لجمالها، ولكن لأغراض أخرى، كأن تكون ثرية، أو من عائلة معينة لها مكانة اجتماعية أو نحو ذلك؛ أي إنه لم يكن مسوقا في اختياره بميوله الجمالية التي نشأ عليها منذ الطفولة، وأحيانا يكون قد تربى بعيدا عن أمه، كأن كانت هناك له مرضع خاصة جمعت عواطفه نحوها، فهو عندما يشب يختار فتاة تشبه هذه المرضع. أو ربما تكون أمه قد ماتت قبل أن ترضعه، أو قبل أن تتم معه سنتين أو ثلاث سنوات، فهنا ترتبك مقاييسه وتختلط قيمه.
وهناك رأي شائع، وهو أننا نختار من الجنس الآخر من تناقضنا، كأنها بهذه المناقضة تكمل النقص الذي عندنا، ولكن نظرة عابرة شاملة للأزواج توضح لنا خطأ هذا الرأي؛ ففي تسعين في المائة من الحالات نحن نختار تلك الفتاة التي تشابهنا. وكذلك الشأن في الفتاة عندما تختار الشاب، فإنه يجب أن يشبه أباها وأمها معا؛ وذلك لأن هذا الأب هو البطل الذي نشأت على رؤيته في البيت، وهو السيد المطاع، وقد قيل «كل فتاة بأبيها معجبة»، وليس هذا المثل عبثا، ولكن لما كانت فتياتنا غير حاصلات على حق الاختيار الكامل، فإن الشاب هو الذي يختار وفق الأنموذج الذي ارتسم في نفسه منذ أيام الطفولة، بل منذ أيام الرضاع. وهو يختار فتاة تشبه أمه، وهو بالطبع يفعل ذلك على غير وجدان؛ أي إنه لا يدري أنه متأثر بجمال أمه؛ لأن صورة أمه كامنة في نفسه، وليست ماثلة.
وعلى القارئ ألا ينسى أن صورة الجمال التي ترتسم للأم في ذهن ابنها، إنما هي صورتها وهي بين العشرين والأربعين تقريبا؛ أي صورتها وهي شابة جميلة، فإذا شاء القارئ أن يفحص عن نفسه وعن ميوله الجمالية، فيجب أن يتذكر أمه كما كانت قبل عشرين أو ثلاثين سنة. وليست كما هي الآن عجوز درداء متغضنة، كثيرة الرقاد والأوجاع، تسعل وتعطس، وقد ترهل بطنها واسترخت عضلاتها.
بقي شيء آخر هو أن ننصح للشاب بألا ينخدع بصورة أمه فيقع في فتنة هذا الوجه الذي ثبت فيه منذ الطفولة؛ لأن هذه الفتاة التي تشبه أمه في التقاسيم والملامح والقامة والصوت، أو في بعض هذه الصفات، هذه الفتاة قد تكون سيئة الأخلاق، فهو يفتن بخيال يضيفه عليها، ولكنه يجهل أخلاقها. وإذن لا بد في الزواج من أن نطمئن على صفات أخرى كالذكاء والأخلاق.
Shafi da ba'a sani ba
رأي العرب في الحب
قال شهاب الدين النويري في «نهاية الأرب»:
أول ما يتجدد الاستحسان الشخصي ، تحدث إرادة القرب منه ثم المودة، ثم يقوى فيصير محبة، ثم يصير هوى، ثم يصير عشقا، ثم يصير تتيما، ثم يزيد التتيم فيصير ولها.
وأما سبب العشق، فهو مصادفة النفس ما يلائم طبعها، فتستحسنه وتميل إليه، وأكثر أسباب المصادفة النظر، ولا يكون ذلك باللمح، بل بالتثبت في النظر ومعاودته بالنظر، فإذا غاب المحبوب عن العين طلبته النفس، ورامت التقرب منه، وتمنت الاستمتاع به، فيصير فكرها فيه، وتصويرها إياه في الغيبة حاضرا، وشغلها كلها به، فيتجدد من ذلك أمراض لانصراف الفكر إلى ذلك المعنى، وكلما قويت الشهوة البدنية قوي المفكر في ذلك.
وذكر بعض الحكماء أنه لا يقع العشق إلا لمجانس، وأنه يضعف ويقوى على قدر التشاكل. واستدل بقول النبي
صلى الله عليه وسلم : «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.» قال: وقد كانت الأرواح موجودة قبل الأجسام، فمال الجنس إلى الجنس، فلما افترقت الأجسام بقي في كل نفس حب ما كان مقارنا لها، فإذا شاهدت النفس من نفس نوع موافقة ما، مالت إليها ظانة أنها هي التي كانت قرينتها، فإذا كان التشاكل في المعاني كانت صداقة ومودة، وإن كان في معنى يتعلق بالصورة كان عشقا. وإنما يوجد الملل والإعراض من بعض الناس؛ لأن التجربة أبانت ارتفاع المجانسة والمناسبة.
وقال بعض الحكماء: «ليس العشق من أدواء الحصفاء الحكماء، إنما هو من أمراض الخلعاء، الذين جعلوا دأبهم ولهجتهم متابعة النفس، وإرخاء عنان الشهوة، وإمراح النظر في المستحسنات من الصور، فهنالك تتقيد النفس ببعض الصور فتأنس، ثم تألف، ثم تتوق، ثم تلهج.»
وقال ابن عقيل: العشق مرض يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة المتلمحة للصور لدواع من النفس، ويساعدها إدمان المخالطة، فيتأكد الألفة، ويتمكن الأنس، فيصير بالإدمان شغفا. وما عشق قط إلا فارغ، فهو من علل البطالين، وأمراض الفارغين من النظر في دلائل العبر وطلب الحقائق، المستدل بها على عظم الخالق؛ ولهذا قلما تراه إلا في الرعن البطرين، وأرباب الخلاعة النوكى. وما عشق حكيم قط؛ لأن قلوب الحكماء أشد تمنعا عن أن توقفها صورة من صور الكون مع شدة طلبها؛ فهي أبدا تلحظ وتخطف ولا تقف، وقل أن يحصل عشق من لمحة، وقل أن يضيف حكيم إلى لمحة نظرة؛ فإنه مار في طلب المعاني، ومن كان طالبا لمعرفة الله لا توقفه صورة عن الطلب؛ لأنها تحجبه عن الصور.
وقال الربعي: سمعت أعرابية تقول: مسكين العاشق، كل شيء عدوه؛ هبوب الريح يقلقه، ولمعان البرق يؤرقه، ورسوم الديار تحرقه، والعذل يؤلمه، والتذكر يسقمه، والبعد والقرب يهيجه، والليل يضاعف بلاءه، والرقاد يهرب منه. ولقد تداويت بالقرب والبعد، فلم ينجح دواء ولا عز عزاء.
وقال داود الأنطاكي في كتابه «تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق» عن بعض البلغاء:
Shafi da ba'a sani ba
العشق فضيلة، تنتج الحيلة، وتشجع الجبان، وتسخي كف البخيل، وتصفي ذهن الغبي، وتطلق بالشعر لسان الأعجم، وتبعث حزم العاجز الضعيف، وهو عزيز يذل له عز الملوك، وتضرع له صولة الشجاع، وهو داعية للأدب، وتأويل باب تفتق به بالأذهان والفطن، ويستخرج به دقائق المكايد والحيل، وإليه تستريح الهمم، وتسكن به فواتر الأخلاق والشيم، يمتع جليسه، ويؤنس أليفه، وله سرور يجول في النفوس، وفرح يسكن في القلوب.
ونقل ابن خلكان في ترجمة العلاف ما ملخصه أن العشق جرعة من حياض الموت، وبقعة من رياض النكل، لكنه لا يكون إلا عن أريحية في الطبع، ولطافة في الشمائل، وجود لا يتفق معه منع، وميل لا ينفع فيه عذل.
وقال بعض «العارفين»: شرط المحبة أن تكون ميلا، بلا نيل، وشرطا لا جزاء، تزول عند زوال العرض، ويتأكد ذلك في أحباء الله عز وجل.
رأي الإفرنج في الحب
قال جوته: نحن نتكيف ونتشكل طبق ما نهوى.
وقال فولر: المحبة كالضمير، أحرى بها أن ترشد وتقاد، لا أن تجر وتغتصب. وأولئك الذين يتزوجون من لا يحبون، يحبون غير ما يتزوجون.
وقالت مدام دوستايل: العشق الذي هو عارض في حياة الإنسان يستغرق حياة المرأة بأجمعها.
وقال فنست: لست من أولئك الذين لا يؤمنون بإمكان الحب من أول نظرة، ولكني أومن بوجوب النظرة مرة أخرى.
وقالت مدام دوديفان: إن الرجل الذي تحبه امرأة جميلة فاضلة، يحمل من حبها طلسما يمنعه ويكسبه الحصانة، ويشعر كل من رآه أن حياته أعلى قيمة من حياة الآخرين.
وقال كوتون: كثيرا ما تنتهي الصداقة بالحب، ولكن لا يمكن الحب أن ينتهي بصداقة.
Shafi da ba'a sani ba
وقال لونجفيلو: ليس في حياتنا ما هو أقدس من الشعور بدبيب الحب الأول، تلك الرفرفة الأولى لأجنحته الحريرية، وتلك الوسوسة الأولى تتعالى وتطفو، وأنفاس تلك الريح تسارع إلى النفس فتغمرها، فإما تطهرها وإما تدمرها.
وقال كوتون: في الحب كما في الحرب، يعزى نجاحنا إلى ضعف وسائل الدفاع أكثر مما يعزى إلى عنف الهجوم وسطوته.
وقال دريدن: حسبك الحب جزاء للحب.
وقال فولتير: الحب لوحة الرسم، تزودها الطبيعة، ويوشيها الخيال.
وقال هربرت: الحب كالسعال ليس من المستطاع إخفاؤه.
وقالت مس جوزبري: الحب يطهر القلب من الأثرة، ويمنح الخلق قوة ورفعة، ويوجه الحياة في جميع الأعمال إلى المقاصد الشريفة، ويزيد الرجل والمرأة كليهما قوة وشرفا وشجاعة. وخير هبة توهب لإنسان هي تلك القدرة على أن يحب حبا صادقا أمينا. والحب نار مقدسة، يجب ألا توقد أمام الأصنام.
وقال كار: لا يحسن الإنسان الأداء عن الحب، إلا إذا كان لا يشعر به.
وقال سيجار: الحب كالقمر، إذا لم يأخذ في الزيادة أخذ في النقصان.
وقالت مس تشيلد: دواء جميع الأدواء، وعلاج هموم الإنسانية وأحزانها وجرائمها، هو الحب؛ فهو العنصر الحيوي الإلهي، الذي يحدث الحياة ويردها، وهو إذا شئنا سبيل القوة وفعل المعجزات.
وقال لاروشفوكو: قد يسلك الرجل الحكيم في حبه سلوك المجانين، ولكنه لا يسلك سلوك البله.
Shafi da ba'a sani ba
وقال أيضا: ليس شيء يستر الحب حيث يكون، ولا شيء يظهره حيث لا يكون.
وقالت نينون دولنكلو: لا قيمة في الحب لافتقار الرجل إلى الجمال، إذا لم تنقصه الصفات الأخرى المحبوبة؛ فإن القلوب لا تفتح إلا بالعطف، وليس الخلد أكثر عمى من المرأة العاشقة.
وقال إلجز: الطاعة وقت الحب أخف محملا من الحرية.
وقال بولور: نبرات العشق هي كل ما تخلف عنا من لغة الفردوس .
وقال إديسون: ليس يوجد في الحق نوع من الحب أكثر طهارة، وأشبه بالملائكة، من حب الوالد لابنته؛ فهو يرمقها بالعين المجردة، وبالعين التي تتلمح فيها جنسها، فحب الزوج لزوجته مشوب بالرغبة، وحب الأب لابنه مشوب بالطمع، أما حب الأب لابنته ففيه شيء لا تستطيع اللغة التعبير عنه.
وقال بتراركه: الحب هو النعمة التي تتوج بها الإنسانية، وهو أيضا أقدس صفوق النفس، وهو الحلقة الذهبية التي تربطنا بالواجب والحق، وهو المبدأ الفادي الذي يصالح بين القلب والحياة، وهو بشير السعادة الأبدية.
وقال شبانهيم: ليس حواريو المسيح الحقيقيون هم الذين يتفوقون في مقدار المعرفة، وإنما هم أولئك الذين يتفوقون في مقدار الحب.
وقال وطس: ليس يحتاج الإنسان من العواطف إذا كان سيعيش عيشة أبدية إلا لعاطفتين فقط: الحب، وتأمل العزة الإلهية.
وقالت مارجريت فولر: حب المرأة ساعة من الحب، تعرف منها علائقها الحقيقية، أكثر مما تعرف من جميع الفلسفات.
أنطونيوس وكليوبطرة
Shafi da ba'a sani ba
ليس في سير الحب القديمة ما هو أشهر من سيرة كليوبطرة ملكة مصر الإغريقية أو بالأحرى المقدونية؛ فقد وضع المؤلفون القصص والدرامات والتواريخ والقصائد، ومثل غرامها المصورون والنقاشون والمثالون. وأكبر ما يجذب الناس إلى قراءة سيرتها، غرابة الأطوار التي تطورتها حوادثها، والنهاية المفجعة التي انتهت إليها، وعظم التضحيات التي ضحى بها كل من المحبين أنطونيوس وكليوبطرة.
وكثرة هذه السير تزيد تاريخها إبهاما بدلا من أن توضحه؛ فقد ضرب أكثر من كتب عنها بسهم في الخيال، وأكثر من التزويق والتزيين، شأن القصاص، حتى صارت الحواشي تغطي على المتن، وحتى صار يشق على المؤرخ استخلاص الحقائق من الأوهام.
فقد كانت مصر في ذلك الوقت تحت حكم البطالمة، وهم سلالة مقدونية إغريقية كانت تمت إلى الإسكندر بالقرابة. وكان مؤسس أسرة البطالمة قائدا عند الإسكندر، وكانت الإسكندرية في وقت كليوبطرة أكبر ميناء على البحر الأبيض المتوسط، ومركز التجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، وكان أكثر سكانها من الإغريق، وكانت لهم مكتبة كبرى وجامعة يتعلمون فيها، فكان الوسط كله إغريقيا، تكسوه الحضارة الإغريقية، وتسمع فيه اللغة الإغريقية ، وتسيطر عليه الثقافة الإغريقية في الفنون والعلوم.
وارتفعت كليوبطرة إلى عرش مصر وهي في السابعة عشرة، وكانت الإسكندرية قاعدة البلاد وكرسي الحكومة، وكان يبلغ سكانها نحو مليون نفس، وتبلغ المكوس المضروبة على البضائع في جماركها نحو خمسة ملايين جنيه، وكانت صناعات الكتان والبردي والزجاج والأقمشة رائجة فيها، وكان خمس مساحة المدينة خاصا بقصور الأسرة المالكة والمكتبة والمتحف، تحفها وتتخللها جميعها البساتين والتماثيل والمسلات وما إليها، وقد شبهها المؤرخ الإيطالي فيريرو بباريس هذه الأيام، لوفرة ما كان فيها من وسائل الحضارة والترف.
ولما ارتقت كليوبطرة إلى العرش كانت تبعا للسنن المتبعة في الأسرة المالكة مخطوبة إلى أخيها، وكان لا يزال بعد صبيا في الثانية عشرة من عمره، وكان عليه أوصياء سوء، أرادوا أن يستفيدوا من صغر سنه، فنفوا أخته عن المدينة، وولوه العرش وحده.
وكانت هذه النكبة الأولى مهمازا لكليوبطرة، تنبهت منه أعصابها وتذكى عقلها، فبادرت إلى الذهاب إلى سوريا حيث ألفت جيشا وعادت به إلى مصر.
وفي هذه الأثناء كان يوليوس قيصر القائد الروماني قد احتل الإسكندرية، ولم تكن تجدي فيه المقاومة؛ لأن جيشه - فضلا عما كان له من شهرة بالبسالة والصمود في القتال، وسائر الصفات التي تتسم بها الجيوش الرومانية - كان يقوده أبرع قائد في ذلك الزمان وهو قيصر. واقتصر الملك ونصحاؤه على كسب رضاه وثقته، وجاءت كليوبطرة تنافس أخاها في اكتساب هذه الثقة، وكان أخوها أكثر منها ناصرا، ولكنها كانت تمتاز عليه عند قيصر بجمالها وفتنتها.
واتفق أكثر المؤرخين على أنها لم تكن جميلة؛ فقد كان أنفها كبيرا، ولكن الفتنة كانت في نفسها وخفة روحها؛ فقد وصفها المؤرخ بلوتارخ بقوله:
لم يكن جمالها بحيث لا يمكن أن يقرن إلى جمال غيرها، ولم يكن من الروعة بحيث يؤثر في الناظر عند أول رؤيته لها، ولكن تأثيرها في الإنسان إذا بقي مدة قصيرة في حضرتها لم يكن مما تمكن مقاومته؛ فقد كانت شخصيتها، وحلاوة حديثها، وذلك الطابع تطبع به ما تقوله أو تعمله، من السحر بحيث تستأثر الإنسان. وكان مما يلذ للإنسان أن يسمعه موسيقى صوتها الذي كان يشبه آلة وترية تختلف فيه الأنغام.
واحتالت كليوبطرة لكي تصل إلى يوليوس قيصر وتضمه إلى حزبها، فينصرها على أخيها، وكانت جيوش أخيها تحجز بينها وبينه، فوضعت نفسها في بساط لفته حولها وربط عليها، واحتملها خادم أمين لها، ونزل في زورق صغير حتى وصل إلى حيث كان قيصر، فأنزل الخادم البساط، وطلب إلى حرس قيصر أن يؤذنوه بوصول هدية إليه، فأذن قيصر في حمل الهدية، فما هو أن وضع البساط أمامه، وفكت الحبال المربوطة حوله، حتى خرجت منه كليوبطرة.
Shafi da ba'a sani ba
وكان قيصر شجاعا جريئا، فلا يدع أن يعرف قيمة الشجاعة والجرأة في غيره، فأحبها وأقرها على عرش مصر دون أخيها، وحكمت البلاد منذ تلك الساعة ونحو ست سنوات حكم العدل والحكمة. ثم مات قيصر في رومية مقتولا، متهما بالطموح إلى الاستبداد وإلغاء الجمهورية، وكانت كليوبطرة قد ولدت له ولدا سماه قيصرون.
وظهر في العالم الروماني عقب موت قيصر رجلان اقتسما هذا العالم بينهما؛ أولهما: أوكتافيوس الذي استولى على الجزء الغربي منه، وثانيهما: أنطونيوس الذي استولى على الجزء الشرقي.
وأخذت كليوبطرة تحسب وتقدر أيهما أفضل، لكي تنضم إليه وتستعين بقوته، فبقيت في ترجيح وتردد حتى توجس منها أنطونيوس فاستدعاها، وكان في ذلك الوقت ضاربا خيامه في كيليكة وجيوشه تحوطه، وكان أنطونيوس يمت بصلة الرحم إلى يوليوس قيصر نفسه، وكان شجاعا من هواة الجندية، وقد قضى بعض شبابه في لذاذات الشباب وسرف الفتوة، فأنفق نحو مائة ألف جنيه على الخمور والنساء وما إليهما، ولكنه كان عندما يجد الجد وتعلن الحرب يصير من مساعيرها، يقاتل فيها ويدبر لعدوه المكايد ويصمد له حتى يفوز.
ولم تكن ثم مندوحة لكليوبطرة من أن تلبي دعوته، فألفت أسطولا صغيرا وسارت إلى كيليكية عبر البحر الأبيض المتوسط حتى بلغتها وصعدت إلى نهر كيدنوس حيث كان أنطونيوس وجيوشه. وكانت سفينتها غاية في الزينة، وقد توسطتها في أفخر لباسها، ووقف جواريها سامطين أمامها في أبهى الحلل وأجمل الزينات. ولما وقفت سفينتها وجه إليها أنطونيوس يدعوها إلى العشاء، فأرسلت هي إليه تدعوه إلى السفينة.
وكانت الوليمة المعدة لأنطونيوس قد هيئت بضروب من الألوان الشرقية والغربية، وصفت على المائدة أكواب الشراب، وأضيئت آلاف الشموع تحترق فتخرج منها أنفاس الطيب، وتعبق فوقها سحابات من دخان العطور المختلفة. وجاء أنطونيوس من خيامه، وكان قد مضى عليه زمن وهو يعيش عيشة المعسكرات، بما فيها من شظف وخشونة، فرأى في الفراش الوثير، والطعام اللذيذ، والشراب الفاخر، والجمال الفتان، ما سحر لبه، وأسر قلبه وقيده إليها.
ولم تكن كليوبطرة قد أحبت قبلا؛ لأن علاقتها بيوليوس قيصر كانت قائمة على المصلحة لا على العشق، أما الآن، فقد وجدت في أنطونيوس شخصا فتيا، يلبي شهواتها ويعشقها، لا يبرحها طوال ليله ونهاره، فعشقته وعلقته. وربما كان يشوب هذا العشق شيء من مراعاة المصلحة من كلا الجانبين، ولكن ليس شك في أنهما أخلصا الحب، وتصافيا كئوسه حتى الممات.
وبقي كلاهما معا نحو عشر سنوات لم يفترقا إلا مرة واحدة، حين ذهب أنطونيوس في حملة في إحدى جهات آسيا. وقد ذكر بلوتارخ أن أنطونيوس قال مرة: إن التمليق أربعة أنواع، أما كليوبطرة فعندها منه ألف نوع. وهذا وحده يدل على سحر حديثها.
قال بلوتارخ:
كانت كليوبطرة على استعداد دائم لأن تسر أنطونيوس وتمتعه سواء أكان في حال الجد أم في حال اللهو. وكانت تلازمه ليل نهار، تلاعبه النرد، وتشرب معه، وتخرج معه إلى الصيد تقتنص معه، وإذا كان وقت المران على القتال وقفت أمامه تعجب به وتصفق له.
ثم حدث النزاع بين أكتافيوس وأنطونيوس، أيهما يسود العالم. وقد كان أكتافيوس يضمر السوء لأنطونيوس، ويتربص به الدوائر؛ لأن أنطونيوس كان متزوجا أخت أكتافيوس، وكان قد هجرها عندما علق كليوبطرة. وتهيأ كلا الفريقين للقتال، وأعد كل منهما أسطولا، والتقيا في أكتيوم. وكانت كليوبطرة تصحب أنطونيوس؛ إذ لم يكن يقدر على فراقها. ودار القتال برهة، ظنت فيها كليوبطرة أن أسطول عشيقها قد انهزم، فأمرت ربانها بالفرار. ولم تكن الهزيمة قد تأكدت ولكن قلب المرأة يساوره الهلع في ساعة الشدة ، التي لم يخلق لها إلا الرجال. ورأى أنطونيوس سفينة كليوبطرة تولي الإدبار، فجن جنونه واستطير، وأمر أسطوله أن يدركها، وهنا بانت الهزيمة الأولى.
Shafi da ba'a sani ba
وتحصن أنطونيوس بالإسكندرية، ولكن أكتافيوس هزمه مرتين، حتى سلمت له جميع جيوشه. وعرفت كليوبطرة عندئذ أنه قد قضي عليها هي وحبيبها، وأنها لا بد أن تقع أسيرة، وتقاد في شوارع رومية مقيدة بالأغلال من الذهب، وينظر إليها جمهور تلك العاصمة بين الاستهزاء والتشفي، فأشاعت في الإسكندرية أنها ماتت، حتى يكف أكتافيوس عن البحث عنها، وتبحث هي في خلال ذلك عن طريقة للنجاة. وبلغت الإشاعة أنطونيوس فانتحر، بأن غرز سيفه في بطنه وبلغ ذلك كليوبطرة فانتحرت هي الأخرى.
جميل وبثينة
كان جميل شاعرا، نشأ في قومه بني ربيعة بوادي القرى بين المدينة ومكة، فأحب فتاة تدعى بثينة من بنات قومه. وكان قد علقها صغيرا فاشتهر حبهما، ووصل خبره إلى أبيها. وكان من شر العادات عند العرب أنه إذا اشتهر حب بين اثنين منع أبو الفتاة المحبوبة زواجها من حبيبها؛ وذك خشية أن يتقول الناس عن سابق العلائق التي كانت بينهما قبل الزواج.
فامتنع أبوها عن تزويجه، فصار جميل يشبب بها، ويؤلف القصائد في وصفها ومقدار حبه لها، وربما كان غرضه من ذلك أن يلقي الشك في قلوب الأغراب، فيشعرهم بأن علاقته بها شديدة، ويكون من أثر ذلك فيهم أن يمتنعوا عن طلبها لأنفسهم من أبيها.
وكان ذلك في عصر الدولة الأموية في خلافة عبد الملك بن مروان، فاستعدى أهل الفتاة الوالي لكي يكف جميل عن التشبيب ببثينة. وبلغ ذلك جميلا، ففر إلى الشام، ونزل عند أحد وجوه بني عذرة، وكان يعرف خبره ويرحمه لما هو فيه من البلوى. ومما يحكى أن هذا الرجل احتال على جميل لكي ينسيه حبه، فزين سبع بنات، فكن يتصدين له متبرجات، ويعاودن ذلك حتى يعلق إحداهن، ففطن جميل للحيلة، وصد عنهن، وقال في ذلك:
حلفت لكيما تعلميني صادقا
وللصدق خير في الأمور وأنجح
لتكليم يوم واحد من بثينة
ورؤيتها عندي ألذ وأملح
لرؤية يوم واحد من بثينة
Shafi da ba'a sani ba
ألذ من الدنيا لدي وأملح
وكان جميل يضرب المواعيد لبثينة ويلتقيان في الخلاء. وقد روى الأغاني: «إن بثينة لما أخبرت أن جميلا قد نسب بها، حلفت بالله لا يأتيها على خلاء، إلا خرجت إليه لا تتوارى منه، فكان يأتيها عند غفلات الرجال فيتحدث إليها ومع أخواتها.»
وهذا يدل على أنهما تصافيا الحب، وكان كلاهما محبا. وقد أكثر فيها من نظم القصائد التي كانت تنال إعجاب الفرزدق وعمر بن أبي ربيعة.
من ذلك قوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بوادي القرى إني إذن لسعيد
وهل ألقين فردا بثينة مرة
تجود لنا من ودها ونجود
علقت الهوى منها وليدا، فلم يزل
إلى اليوم ينمي حبها ويزيد
Shafi da ba'a sani ba
وأفنيت عمري بانتظاري وعدها
وأبليت فيها الدهر وهو جديد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا
ولا حبها فيما يبيد يبيد
وما أنسى م الأشياء لا أنسى قولها
وقد قربت نضوي: أمصر تريد؟
ولا قولها: لولا العيون التي ترى
لزرتك فاعذرني فدتك جدود
خليلي ما ألقى من الوجد قاتلي
ودمعي بما قلت الغداة شهيد
Shafi da ba'a sani ba
يقولون: جاهد يا جميل بغزوة
وأي جهاد غيرهن أريد؟
لكل حديث بينهن بشاشة
وكل قتيل عندهن شهيد
روى الأغاني: لقي جميل بثينة، بعد تهاجر كان بينهما طالت مدته فتعاتبا طويلا فقالت له: ويحك يا جميل، أتزعم أنك تهواني وأنت الذي تقول:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى
وفي الغر من أنيابها بالقوادح
فأطرق طويلا يبكي، ثم قال: بل أنا القائل:
ألا ليتني أعمى أصم تقودني
بثينة لا يخفى علي كلامها
Shafi da ba'a sani ba
فقالت له: ويحك! ما حملك على هذه المنى؟ أوليس في سعة العافية ما كفانا جميعا؟
ومما ذكر عنهما هذه الحكاية التالية: «سعت أمة لبثينة بها إلى أبيها وأخيها، وقالت لهما: إن جميلا عندها الليلة. فأتياه مشتملين على سيفين، فرأياه جالسا حجزة منها يحدثها ويشكو إليها بثه. ثم قال لها: يا بثينة، أرأيت ودي إياك وشغفي بك، ألا تجزينه؟ قالت: بماذا؟ قال: بما يكون بين المتحابين. فقالت له: يا جميل أهذا تبغي؟ والله لقد كنت عندي بعيدا منه، ولئن عاودت تعريضا بريبة لا رأيت وجهي أبدا. فضحك وقال: والله ما قلت لك هذا إلا لأعلم ما عندك فيه. ولو علمت أنك تجيبينني إليه لأدركت أنك تحبين غيري. ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي، ولو أطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الأبد، أوما سمعت قولي:
وإني لأرضى من بثينة بالذي
لو أبصره الواشي لقرت بلابله
بلا، وبأن لا أستطيع وبالمنى
وبالأمل المرجو قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى، وبالحول تنقضي
أواخره، لا نلتقي وأوائله
فقال أبوها لأخيها: قم بنا فما ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها. فانصرفا وتركاهما.»
وتزوجت بثينة من آخر غير جميل، ولكنها بقيت تحفظ عهده ويزورها خفية في بيت زوجها، إلى أن علم زوجها بذلك فشكاه للوالي، فأهدر دمه إذا عاود، فانقطع جميل عن الزيارة.
Shafi da ba'a sani ba