ولم ينتظر حتى يرى الدهشة في وجهي. - نعم، وأعلم أنك طالبة في الجامعة، وأعرف أيضا كل ما كتبه الشعراء والكتاب والقصاصون عن الحب، بل وأعرف الحب نفسه، ولكن هؤلاء الكتاب والفنانين يختارون لموضوعاتهم النواحي العاطفية ولا يتكلمون عن تجربة الأب وفهمه للأمور وطول ممارسته للحياة، وممارسة الحياة له ... فحكمه حين يحكم وراءه كثير من العقل والحكمة والبعد عن العاطفة.
ولم أرفع رأسي. - إنني لم أقل في حياتي كلاما أكثر سخفا من هذا الذي أقوله الآن.
وتولتني دهشة لم يكن محتاجا ليراها. - إنني أنصح وأخطب وأعظ. ليس أسخف من ذلك.
وخالجني خالج من الأمل. - إذن ... - لن تتزوجيه.
ولم ينتظر أن أسأله. - وبدون إبداء أسباب.
إنني أعرفه، إنني أعرفه، لا يتراجع، ولكن عليه أن يبدي الأسباب، لا بد أن يبدي الأسباب. قالت أمي: ألا تكفي إرادة أبيك؟ - إرادة أبي هذه تكفي عندك أنت؛ لأنك عشت في عصر كانت فيه إرادة الرجل هي القانون، ولكننا اليوم في عصر القانون نفسه محل نقاش كبير. - إذن فاعلمي أن هذا الفتى الذي تحبين خطب قبلك أربع بنات وتركهن.
خبر جديد لم أكن سمعت به. - من أين عرف أبي؟ - سأل. - متى سأل؟ - بعد أن رفض. - أليس عجيبا؟! - ما العجب؟! - يرفض ثم يسأل، لماذا رفض إذن ولم يكن يعلم هذا عنه؟ - يقول إنه لم يكن مرتاحا إليه. - لمجرد شكله؟ - هذا فارق السن يا بنتي. - هذا سحر. - بل تجربة. - على كل حال لا يهم. - لا يهم أن يخطب أربع بنات ويتركهن. - لم تعجبه واحدة منهن. - وأعجبته؟ - ولم لا ...
لا فائدة ترجى من هذا النقاش، لقد رفض أبي، ولم يكتف بهذا بل سعى فنقل إلى الإسكندرية لأبتعد عن القاهرة، ومرضت أمي فأصبح الحديث في الزواج غير معقول. وطال المرض بأمي وسألت أبي أن تعود إلى القاهرة لتكون بجانب أهلها، واستطاع أن يعود، وعدت أنت إلي، حنانا ولهفة عدت، تسألني عن أمي ولا تتكلم عن الحب، وإذا تعذر عليك أن تكلمني راحت أمك تكلمني، فهي كل يوم تسألني عن صحة أمي، وعن سير المرض كأنما هي طبيب مخلص في عمله.
وماتت أمي، وأطبقت أمك علي بأنيابها الذكية المتمرسة فإذا أنا أتعلق بها تعلقي بأمي وتعطف علي كأنني ابنتها.
وتمر فترة الحداد القاسية، وأخرج من السواد القاتم لتلقفني ذراعا أمك ولسانك. - بعد موت أمك سيرغمك أبوك على الزواج بمن يريد ولن تجدي أحدا يحميك.
Shafi da ba'a sani ba