إن السواد الذي يصاحب الموت يشل العقل، إن التجار والنهازين لا يجدون فرصة أحسن من الموت ليعقدوا صفقاتهم؛ إنها فترة يظن فيها أهل الميت أن الجميع يعطف عليهم ولا يريد لهم إلا الخير.
وكان البيت الذي خلا بي وبأبي جحيما، هو يعلم أني أريد ما لا يريد، وأنا لا أدري لماذا لا يريد، وكما تعقدت هذه الكلمات كانت حياتنا معقدة، فيها جهامة الموت، ونفور الرغبة والرفض.
حتى إخوتي حين كانوا يلمون بنا في زيارة كانوا فاشلين في تبديد ما بيني وبين أبي من جليد ونار.
وتزوجتك، وحين أرسلت وثيقة الزواج إلى أبي قال لأختي في برود وصرامة: لا تدخل بيتي. ولم أدخل.
وخلوت بي، وخلت أمك.
كانت بداية عهدك الجديد وعهد أمك جملة قالتها حماتي في جمعية كبيرة من السيدات: يا حسرة علينا تزوج ابني بلا فرح ولا زفة ولا حتى زغرودة.
وانقلبت أنت وحشا كاسرا، فقد علمت أنني أصبحت بلا ملجأ إلا أنت؛ فأنا إذن كالمطاط مهما تقذف بي إلى الحائط فسأعود إليك، وأعود إليك، وأعود إليك.
لا أريد أن أذكر، لا أريد أن أذكر، ولكن شيئا واحدا لا يحتاج أن أذكره، إنني أصبحت مهانة وحقارة وبشرية مدمرة عصفت بها أنت، وحين كنت أقول لنفسي: لا يمتهن الإنسان إلا نفسه، تصيح بي نفسي: أليس أنت من اخترت؟! وينتهي الحوار إلى هذه الصيحة، ولكن يوم ضربتني صحت في نفسي: ألم أدفع الثمن بعد؟! إن المجرم يدفع الثمن بضع سنوات ثم هو بريء، وأنا لم أدفع الثمن بعد؟ أنت غير موجود. لو أنك دمرت حياتي عن كره ما كرهتك بهذا القدر الذي أكرهك به الآن، ولو أنك قسوت عن طبيعة لا تملك أن تغيرها في نفسك ما احتقرتك كما أحتقرك الآن، ولو أنك مزقتني وأنت تعرف أن لي مكانا أستطيع أن ألجأ إليه إذن ما فعلت ما أفعله الآن، أنت لا تعرف أين أنا؛ أنا في الطريق العام لا أعرف لي وجهة ولا مكانا ولا مستقرا، وسأسير وسأظل أسير، وليكن الطريق بيتي وغدي ومستقبلي، ولكن لن أعود؛ وكيف أعود إلى عدم؟ إنك اليوم بالنسبة لي عدم. أنا لن أعود.
أختي وأنا
أنفاسي أين ذهبت؟ لماذا لا أتنفس؟ كيف استطاعت الدنيا جميعا أن تجثم على صدري فلا أتنفس؟ وكيف لا أزال أعيش وأنا لا أتنفس؟ نعم إني أريد أن أعيش، ولكن هل تكفي هذه الإرادة حتى تجعلني أعيش دون أن ألتقط من الهواء أنفاسي؟
Shafi da ba'a sani ba